غالباً ما يتواجد على الطرق السريعة في بلاد الغرب ما يدعى (الموتيل Motel)، فندق صغير مكون من طابق او طابقين، خشبي البناء، رخيص الاقامة، يوفر المنام والافطار البسيطين للمسافرين براً على تلك الطرق السريعة لليلة اَو لبضع ليلة، ظهر هذا النوع من الفنادق مع بداية اختراع السيارات بعد عام ١٩٢٥، لذا سمي موتيل، اي يجمع بين الموتور والفندق، وهو لغايات الراحة المؤقتة السريعة للسائقين العابرين. وعلى العكس منه الفندق ( Hotel)؛ ذو الاقامات الأطول في منتصف المدينة أو على شواطئ الخلجان، والاغلى تأجيراً، وهذا يتميز بالرفاهية المميزة بالمسكن والمأكل والمشرب والمرافق والاطلالات الاخاذة والأجنحة الواسعة - وحسب تصنيفه النجومي.
وفي كلا النوعين؛ لا أحد يتملك فيهما غرفة او جناحاً، الكل مسافر، والكل عابر، ومع نهاية الاقامة : الكل مرتحل عن غرفته - ضاقت أم وسعت، طالت بها الاقامة أم قصرت، ومن ناحية أخرى لا أحد يحبذ التعارف على الغرباء فيهما، فلا الوقت يسمح بذلك، والراحة هي الأولى من أي شيء آخر، الكل يكتفي بابتسامة لقاء او وداع على الأكثر، مع دعوة بنهار سعيد، وبدون أية تفاصيل أخرى، فما القصد من هذا الحديث؟
مقصد القول؛ اننا فعليا نعيش في هذه الحياة في فنادق مؤقتة نسبياً، ليس لنا من الأمر شيء ولا من الملك شيء، الكل مسافر في مساره وبتوقيته، قد نجتمع بزمكان واحد حيناً من الدهر ثم نغادر كل في طريقه ولمحطته الاخيرة، كلنا عابرون على الطريق السريع، فمنا من يمكت ليلة في موتيل يجثو هناك على جنبات الطريق، او بعض ليالي في فندق جميل يعلو اطلالات جذابة، ثم نتركهما مهما طالت الاقامة او قصرت، رغدت المعيشة فيهما او تقشفت. الا في اللويبدة، رحل السكن قبل ساكنيه - رحم الله موتاهم - فأجبرهم على الرحيل السريع - حيث انتهى الأجلان؛ المسمى المحتوم، والمكتوب المرفوع، الذي لم يرفع بدعاء مستجاب، ولا بصلة رحم وبر والدين، فالتقيا على أمر قد قدر. رحل السكن والامن وكل هرم حاجات ماسلو معهما - بلا سابق وداع، ولا نظرة أخيرة.
خلاصة القول؛ في مكان العمل؛ نحن مستأجِرون بل مستأجَرون لا مقيمون، فكرسي المنصب دوار متداول كالموتيل بل أسرع، وفي البيوت؛ نحن مارقون ومورثوها لخلفنا واحفادهم وان طالت بنا السنون، ولا تتعدى ان تكون كفندقٍ وهمي لحين من الدهر، هذا في الوضع الطبيعي لدورة الحياة الآمنة نسبياً، فما بالنا بالمفاجآت (اللايذات) حينما ترحل تلك الموتيلات والاوتيلات والسيارات الفارهة والمكاتب الواسعة من فوق الرؤوس ومن تحت الاقدام، وتجثم فوق الاجساد بلا سابق انذار، عندئذٍ؛ الويل لكل مقصر فاسد، يعتقد ان النجوم الخماسية ستبقى تتلألأ في سماء غرفه الحمراء الاندلسية - الفندقية. ما يريح القلب هو فقط ان الجنة - ان وجبت - ظلها وارف دائم وسكنها آمن لا ينهدم.
من مقالات؛ الصمت في عالم الضجيج.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان