زاد الاردن الاخباري -
مع توسيع روسيا هجماتها على أهداف مدنية بالتزامن مع خسائرها في المعارك، حذر الرئيس الأميركي، جو بايدن، موسكو من "استخدام أسلحة غير تقليدية" فيما يسميه الكرملين "عملية عسكرية خاصة"، وما تطلق عليه واشنطن "حرب بوتين" في أوكرانيا.
وفي مقابلة مع برنامج "60 دقيقة" على شبكة "سي بي إس" الإخبارية، من المقرر بثه الأحد، قال الرئيس بايدن إن رد الولايات المتحدة على أي استخدام لمثل هذه الأسلحة سيكون "كبيرا"، على الرغم من أنه لم يقدم تفاصيل.
قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، لبرنامج "60 دقيقة" الذي تبثه قناة "سي بي إس" الأميركية إن واشنطن ستبقى ملتزمة بمساعدة أوكرانيا "طالما استغرق الأمر" في الوقت الذي وصلت فيه المساعدات الأميركية لكييف إلى نحو 15 مليار دولارا حتى الآن، مشيرا إلى التطورات الأخيرة في تايوان.
وهذه هي المرة الثانية التي تصدر فيها واشنطن مثل هذا التحذير، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز"، وفي مارس الماضي، قال بايدن: "إننا سنرد" إذا استخدم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي كان محبطا آنذاك من الانتكاسات في العاصمة الأوكرانية، كييف، ومن عدم إحراز تقدم عام في الحرب، مثل هذه الأسلحة.
هذه المرة، جاء التحذير في الوقت الذي ترنحت فيه القوات الروسية من تراجعاتها في ساحة المعركة، وفي الوقت الذي يواجه فيه بوتين أسئلة كثيرة في الوطن حول كيفية إدارته للحرب.
وقال الرئيس الأميركي إن استخدام روسيا للأسلحة غير التقليدية أو النووية في محاولة لتحويل دفة الحرب لصالح موسكو من شأنه أن "يغير وجه الحرب أكثر من أي شيء منذ الحرب العالمية الثانية".
وحتى الشريكان الاستراتيجيان الأكثر أهمية لروسيا، الهند والصين، عبرا عن مخاوف بشأن الحرب، الأسبوع الماضي، بشكل يثير القلق لدى الكثيرين.
واستخدمت موسكو "أسلحة غير تقليدية" أساسا في حربها على أوكرانيا، مثل القنابل العنقودية التي استخدمت بكثافة خلال المراحل الأولى من الصراع، لكن المخاوف العالمية تتجه نحو أسلحة أكثر ترويعا، في مقدمتها الأسلحة النووية التي تمتلكها موسكو.
الأسلحة النووية
وكشف الرئيس الروسي في خطاب بشهر مارس 2018، عن وجود خمسة برامج أسلحة نووية رئيسية لدى روسيا، هذه الأنظمة الجديدة التي أطلق عليها اسم بوتين "superoruzhie" (الأسلحة الفائقة) قادرة على الوصول إلى أبعد من 5 آلاف كلم من مكان إطلاقها باستخدام الصواريخ الروسية الاستراتيجية، كما أنها قادرة على إحداث قدر كبير من الدمار.
وتمتلك روسيا ما يقرب من 5,977 سلاحا نوويا، يمكن إطلاقها من الصواريخ والغواصات والطائرات. في عام 2021، أنفقت روسيا ما يقدر بنحو 8.6 مليار دولار لبناء وصيانة قواتها النووية، وفقا لموقع منظمة ICANW، المتخصصة في مكافحة الأسلحة النووية.
ونظريا، يمكن لروسيا أن تستخدم أسلحة نووية في أوكرانيا دون الحاجة حتى إلى صواريخ بعيدة المدى.
وحذرت روز جوتيمولر، نائبة الأمين العام السابقة لحلف شمال الأطلسي "الناتو"، في حديث نقلته مجلة إيكونوميست من أن بوتين قد يعيد التفكير باستخدام أسلحة الدمار الشامل بعد النكسات التي تعرض لها جيشه.
وقالت: "أخشى أن يردوا الآن بطرق لا يمكن التنبؤ بها حقا، وبطرق قد تشمل حتى أسلحة الدمار الشامل".
وأكدت جوتمولر أنها ليست قلقة بشأن الصواريخ الباليستية الروسية الضخمة العابرة للقارات، التي تتخطى المحيطات ويمكن أن تدمر المدن، بل أنها تخشى ما يسمى بـ"الأسلحة النووية التكتيكية".
وعلى خلاف الأسلحة النووية الكبيرة أو الاستراتيجية، يمكن خفض تفجير الأسلحة النووية التكتيكية بشكل كبير، لتصل قدرتها إلى نحو 0.3 كيلو طن، أي أقل بنحو خمسين ضعفا من قنبلة هيروشيما.
لكن حتى هذا بإمكانه إحداث الكثير من الدمار.
وقارنت إيكونوميست دمار هذا السلاح بالدمار الذي أحدثه انفجار بيروت عام 2020.
لكن لا يعتقد الكثيرون إن بإمكان انفجار من هذا النوع أن يدفع أوكرانيا للاستسلام، وقد تكون له عواقب سلبية على روسيا ذاتها، حيث سيُدفَع الغرب لاتخاذ تدابير أكثر صرامة، وفقا للإيكونوميست.
ونقلت الإيكونوميست عن الجنرال فاليري زالوجني، القائد الأعلى للقوات الأوكرانية، قوله إنه "من الصعب أن نتخيل أنه حتى الضربات النووية ستجعل روسيا قادرة على كسر إرادة أوكرانيا بالمقاومة".
الأسلحة الكيماوية
استخدمت روسيا غاز الأعصاب "نوفيتشوك" في محاولة لقتل معارضين سياسيين في سالزبوري البريطانية في عام 2018، كما تقول دراسة نشرها مركز "أتلانتك كاونسل".
قبلها بعام واحد فقط، كانت روسيا قد أعلنت تدمير كامل ترسانتها من الأسلحة الكيماوية، والتي كانت الأكبر في العالم بنحو 39967 طنا متريا من العوامل الكيميائية، التي شملت اللويزيت والخردل والفوسجين والسارين والسومان و"VX"، وفقا لموقع "Arms Control".
لكن مركز "أتلانتك كاونسل" يقول إنه إن يكاد يكون من المؤكد أن روسيا تحتفظ بمخزون كبير من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، ويضيف أن "التزامات موسكو بتدمير آخر بقايا مخزوناتها من الحقبة السوفيتية ليست أكثر قابلية للتصديق من أي قصة عشوائية على وسائل الإعلام الحكومية الروسية".
وتثير الأسلحة الكيماوية الكثير من الخوف والإرباك في ساحة المعركة، لكنها "ليست حاسمة" لتحقيق النصر، وربما تؤدي إلى "تعزيز الرد" ضد روسيا، بحسب المركز.
وقالت الدراسة المنشورة قبل أشهر بشأن إمكانية استخدام روسيا لمثل هذه الأسلحة إنه "يجب على الجنود الذين يرتدون ملابس واقية أن يتقدموا إلى المنطقة الملوثة بمركبات محمية مدعومة بشاحنات إزالة التلوث أثناء حمل الكثير من الإمدادات الوقائية الإضافية".
وأضافت "بالنظر إلى الوضع الحالي للقوات الروسية في أوكرانيا والافتقار المحتمل للتدريب الكيميائي الحيوي المتقدم، سيكون هذا شبه مستحيل، وإذا حاول الروس دفع قواتهم إلى بيئة كيميائية ملوثة، فمن المحتمل أن يعانوا من نفس مصير ضحاياهم".
الأسلحة البيولوجية
بموجب اتفاقية الأسلحة البيولوجية، فإن روسيا لا يفترض أن يكون لديها مثل تلك الأسلحة، لكن مجلة "هارفرد غازيت" تقول إنه "لسوء الحظ، فإن الكثير من قدرات روسيا سرية، ويعتقد أن موسكو تنتهك تلك الاتفاقية وما زالت تحتفظ ببعض قدرات الأسلحة البيولوجية الهجومية".
وفي 23 مارس الماضي، قال ينس ستولتنبرغ، الأمين العام لحلف "الناتو"، إنه يتوقع من أعضائه توفير "معدات لمساعدة أوكرانيا في الحماية من التهديدات الكيماوية والبيولوجية والإشعاعية والنووية".
وفيما لن يكون استخدام الأسلحة الكيماوية شيئا جديدا بالنسبة لروسيا "فإن استخدام الأسلحة البيولوجية سيكون أمرا جديدا، وربما يكون أكثر فتكا"، وفقا لمجلة إيكونوميست.
واستخدمت الأسلحة البيولوجية منذ القدم، وفي الحرب العالمية الأولى، حاولت القوات الألمانية إصابة مواشي الحلفاء بالجمرة الخبيثة والرعام، وهو مرض يصيب الخيول في المقام الأول.
وفي الحرب العالمية الثانية، ألقت اليابان بالبراغيث التي تحمل الطاعون الدبلي على الصين.
وقالت المجلة إن هناك معلومات تفيد أن روسيا طورت أسلحة تعتمد على الجدري في أواخر عام 1988.
ويمكن أن تكون هذه الأسلحة خطيرة للغاية.
وتشير النماذج الإحصائية إلى أن كيلوغراما واحدا من الجمرة الخبيثة، إذا تم إسقاطه على مدينة، يمكن أن يقتل 100 ألف شخص، كما يمكن للأسلحة الزراعية أن تقضي على الإمدادات الغذائية لبلد ما وتشل اقتصاده.
ويقول الباحثون في معهد "مستقبل الإنسانية" (فيوتشر أوف هيومانتي) بجامعة أكسفورد أن مثل هذا السلاح يمكن أن يؤدي إلى انقراض البشر، لأن "العوامل الحية تتطور وقد تنتشر أبعد من مكان الاستهداف بكثير" وفقا للمجلة.
وتقول المجلة إن بوريس يلتسين، الرئيس الروسي الأسبق، اعترف بأن بلاده كان لديها في السابق برنامج أسلحة بيولوجية.
ويشتبه الباحثون في أن روسيا تحتفظ بمسببات الأمراض التي طورتها في ذلك الوقت. ولكن بينما تشير بعض الأدلة إلى أن برنامج الأسلحة البيولوجية لا يزال موجودًا، فمن غير الواضح مدى كفاءته.
وتقول المجلة نقلا عن جيجي جرونفال، من مركز جونز هوبكنز للأمن الصحي قوله إن صناعة البيولوجيا في روسيا متخلفة كثيرا عن البلدان الأخرى، مستبعدا أن تكون لديها الخبرة اللازمة للتكنولوجيا الحيوية المتقدمة.
كما أنها تخاطر بنقل المرض إلى سكانها في حال استخدمته ضد الأوكرانيين.
لماذا لم تستخدم روسيا الأسلحة غير التقليدية حتى الآن؟
باستثناء القنابل العنقودية، فإنه لا دليل على استخدام أسلحة دمار شامل في أوكرانيا حتى الآن.
وقد توقِع هذه الأسلحة الكثير من الضحايا بين المدنيين، إلا أن المخاوف على حياتهم لا تبدو على رأس اهتمامات روسيا في أوكرانيا، حيث أنها كثفت الهجمات التي تستهدف مناطق مدنية في الآونة الأخيرة، فيما تبدو المخاوف من رد غربي واسع النطاق على استخدام أسلحة دمار شامل من قبل موسكو العامل الأهم بتثبيط بوتين عن استخدام أسلحته.
والجمعة، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن عملية استخراج جثث 440 قبرا في مدينة إزيوم التي تمت استعادتها من القوات الروسية، وهو أكبر موقع للمقابر الجماعية التي تم اكتشافها حتى الآن، مستمرة.
وحذر من أنه من السابق لأوانه تحديد عدد الأشخاص الذين دفنوا هناك بالضبط أو كيف ماتوا. لكن السلطات المحلية قالت إن غالبية الذين تم نقلهم من الأرض لقوا حتفهم بالعنف.
وهناك حتى الآن أكثر من 6 آلاف مدني أوكراني قتلوا نتيجة القصف الروسي، وفقا للأمم المتحدة، ويعتقد أن الأرقام الحقيقية أعلى بكثير.
استهداف المدنيين
وقالت وزارة الدفاع البريطانية، يوم الأحد، إن الضربات الروسية اختارت بشكل متزايد أهدافا مدنية خلال الأسبوع الماضي حتى عندما لم يكن من الممكن تصور أي فائدة عسكرية فورية.
وأضافت أن الهدف هو "تقويض الروح المعنوية للشعب والحكومة الأوكرانية" التي عززها نجاح الهجوم الأخير في شمال شرق البلاد.
وأجبر الاختراق الأوكراني في منطقة خاركيف القوات الروسية على التخلي عن المزيد من الأراضي في غضون أيام أكثر مما اكتسبته موسكو في أشهر من القتال الطاحن، مما غير بشكل كبير زخم الحرب، وفقا لصحيفة "نيويورك تايمز".
ومنذ ذلك الحين، ضربت الصواريخ الروسية سدا، مما يهدد بإغراق مدينة كريفي ريه بعد أيام من انقطاع الكهرباء في معظم أنحاء شرق أوكرانيا بسبب ضربة عطلت محطة الطاقة الرئيسية في خاركيف، ثاني أكبر مدينة في البلاد.
وتقول الصحيفة إن الجهود الروسية المستمرة لتدمير محطات الطاقة والسدود والجسور وخطوط الأنابيب الأوكرانية يمكن أن تؤدي بمرور الوقت إلى تدهور قدرة البلاد على العمل بشكل كبير، خاصة مع حلول فصل الشتاء.
وقالت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الأوكرانية، يوم الأحد، إنه خلال الـ 24 ساعة الماضية، شن الجيش الروسي ست ضربات صاروخية و 28 غارة جوية على أهداف عسكرية ومدنية.
وقال بوتين خلال قمة إقليمية في أوزبكستان، الجمعة، إن روسيا شنت عدة ضربات تحذيرية ردا على الهجوم الأوكراني الذي استعادت فيه كييف نحو 5632 كلم مربع من الأراضي وقد يكون هناك رد أكثر جدية في المستقبل.
وأكد أنه "في الآونة الأخيرة، وجهت القوات المسلحة الروسية ضربتين حساستين، وسنفترض أنهما تحذير"، مضيفا "إذا استمر الوضع في التطور بهذه الطريقة، فإن الاستجابة ستكون أكثر خطورة".