كانت مفارقة عجيبة مساء يوم الجمعة جعلتني أسأل ابني وهو في الصف العاشر عن هذه المفارقة ، فنحن ذاهبون معا هذا المساء لشرب الارجيله في إحدى خيم رمضان ، وفي نفس الوقت هناك مواطنين يعتصمون أمام صرح الشهيد ، وكان هتافهم الذي سمعناه .. يا ابن الحسين أراضي الشعب راحت وين ؟ ..
وكان سؤالي لأبني، ما هو شعورك بمثل هذه المفارقة نحن نشرب القهوة والارجيلة وهناك من يعتصم في الشارع ؟، أجابني بكل هدوء أن المعتصمين هم مواطنين مستعجلين على التغيير لذا تجدهم يقفون في الشارع ، ثم أضاف ببرود استغربت له ، أما نحن فلسنا مستعجلين .
إجابته جعلتني أقف للحظة عن التفكير وإعادة السؤال عليه مرة أخرى ، فلعله أنه لم يفهم سؤالي ،ولكنه مرة أخرى أكد لي إجابته ، بل وجدته يدخل في تفاصيل الوضع الاردني وخصوصا الفساد وحجمه الذي زاد عن حجم الوطن ، وبدون أي مقدمات قال لي إبني ، نحن يا أبي علينا أن نقراء التاريخ بشكل صحيح ومتمعن، ثم أضاف
ابن الخامسة عشر ربيعا أنه في زمن صلاح الدين وبعد أن عم الفساد لدى بعض الولاة ، لم يجد صلاح الدين من طريقة لمعالجته إلا من خلال أن يزيد حجم هذا الفساد ، فقد اتفق صلاح الدين مع أحد قضاته على أن يقوموا بزيادة المخصصات لهؤلاء الولاة ، وزيادة الصلاحيات المعطاة لهم ، وكان حقيقة الامر أن هؤلاء الولاة كانوا يستندون على علاقات القربى والمصلحة مع القبائل في مناطقهم ، وكانوا يؤمنون أن قوتهم من قوة ولاء تلك القبائل لهم ، لكن بعد أن زاد المال في ايديهم ومن خلال صلاح الدين ، واصبحوا يُبدّون أبنائهم في الوظائف على أبناء قبائلهم وذلك لضمان المستقبل للعائلة في الحكم ، لم يعد يعنيهم ولاء هذه القبائل حتى وإن كانت من عائلاتهم .
وهنا وجد صلاح الدين والقاضي فرصتهم في الالتفاف على هؤلاء الولاة الفاسدين من خلال التمسك بأبناء هذه القبائل والاعتماد عليها من أجل الانقلاب على هؤلاء الولاة ، ونجحت الخطة وخلال عام واحد تمكن صلاح الدين من القضاء على الفساد ، واستند في ولاية المناطق لمن يخاف الله .
أعدت السؤال على ابني بطريقة مختلفة من أن حكايته عن صلاح الدين لاتصلح لزماننا وان التاريخ لايعيد نفسه مرتين ، اجابني بان التاريخ عندما يُقراء بوضوح وبدون جمل تجميلية وجناس وطباق وإعراب معقد يمكن الاستفادة منه ، قلت له كيف يمكن لنا في الاردن أن نستفيد من تجربة صلاح الدين هذه ، قال لي لو أنه يستطيع أن يجلس مع جلالة الملك فسيقول له الكلمات التالية : أن هذه البلاد هي وطنه ووطن أولاده من بعده ووطن شعبه ، وان هذا الشعب هو شعبه ، أما الفساد فقد اصاب الاثنين بالضرر ، عليه كملك أن يعيد قراءة التاريخ ولكن بذكاء .
أما ما هي العلاقة مابين خيمة رمضان وخيمة الاعتصام وما تم من حوار بيني وبين ابني ،فأنه لاتوجد علاقة سوى أنني وابني تحدثنا بالسياسية على قاعدة انها سواليف حكومة ، وأن ابني مؤمن ايمان كامل أن التاريخ سوف يعيد نفسه وسيتم القضاء على الفساد ، وهو غير مستعجل كالذين كانوا يعتصمون أمام صرح الشهيد مساء يوم الجمعة .