عودا على ما حدث في مأساة انهيار عمارة اللويبدة التي أوجعت القلوب وأدمت الضمائر الحية وأحزنت نفوس غالبية ساكنيأرض الوطن وغيرهم ممن تابع تلك الحادثة المؤلمة وما نتج عنها من فواجع لعائلات بكاملها وأطفالهم وذويهم من خسائر ربشرية ذهبت ضحية تلك الكارثة ومن تبعات نفسية عميقة لن تمحى من نفوس من نجوا وكتبت لهم الحياة من جديد ، فسيبقىكابوسا يطاردهم ويطارد كل من يعيش ظروفهم ويشابهها من حيث المكان والزمان وواقع المباني التي يقطنونها وهي فياوضاع واحوال ليست بالصالحة لذلك الغرض.
اللافت في الأمر هو أن جبل اللويبدة الذي كان رمزا جميلا لرقي عمان ومدنيتها وكان مركزا تجاريا زاخرا بكل حديثومقاهيها التي تتمدد بأمان تفوح برائحة القهوة ومرتادي الجلسات الثقافية وسمر الليل الجميل ، وكان من يسير في جنباتشوارعه لا يشتم سوى عطر الياسمين الذي يغطي جنباتها وريحان الشرفات في ليالي الصيف التي تفوح بعبيرها ، وعبقالبيوت الفاخرة والأنيقة التي كانت تزدهر في الأروقة الممتدة تطل بروعتها على بهاء عمان وجبالها الجارة التي ترمقها بحبوإكبار ، وكانت تتطلع لأن تماثلها في طلتها البهية الشامخة الرزينة .
لكننا اليوم نرى مشهدا آخر يتكرر في بقية المناطق التي كانت كجبل اللويبدة والتي هجرها سكانها الأصليين بحثا عن مناطقأجمل ومساحات أكبر لتبتلعها عماراتهم ومساكنهم الحديثة غير آبهين بكل تلك الآثار السلبية فالمبتغى هو أن نكون ممنيتبعون الرغبة في التحضر والتوسع وهذا حال كل المدن في بلادنا العربية والذي غالبا ما يكون على حساب كل شيء من قتللمظاهر الحياة الزراعية والبيئة المحيطة ،فكان هذا أول قطرات الجشع والإساءة للأرض وتوغل المصالح والإستثمارات الغيرمدروسة فقط الهدف الذي هو نصب أعينهم هو الربح المادي والغنى السريع وما ينتج عنه لا يعنينا المهم انتفاخ جيوبنا وكفى ،
إلى هنا قبلنا بذلك وتألمنا لمشاهدة ذاك التوسع المسعور على حساب المصلحة الأساسية وهي ما نعيش نتائجه بكل تفاصيلهاكما يلاحظ الجميع ، فقد هجروا مناطقهم الأصيلة وتركوا بناياتها القائمة منذ زمن طويل لتؤجر أو تباع لعامة الناس من ذويالدخل المحدود الذين زحفوا نحو تلك المناطق ودون حماية او تدخل حكومي لاعتبارات أن تلك المناطق يجب ان تكون منشواهد عمان الحضارية وأنه يجب أن تكون هناك ضوابط قانونية من أجل الحفاظ على معطيات الواقع لتلك البيئات ، فمن لازالوا يمتلكونها او يقومون بتأجيرها يتناسون أن هذه البنايات لها عمر طويل وبأنها تحتاج لصيانة دورية حقيقية لا شكليةفقط أو أنهم باعوها لهؤلاء الأشخاص الذين بدورهم لا يهمهم سوى جمع الدخول في نهاية كل شهر ،وحصد ذلك الدخل دونالإهتمام بواقع تلك المباني .
فعمان باتت موئلا للسماسرة ومقتنصي الفرص المتاحة من اجل الثراء السريع ، ولو على حساب ضمائرهم متناسين تمامامصلحة الوطن ومصلحة البشر ساكني تلك المناطق التي كانت تشكل قلبا نابضا لعمان الجميلة والآن اصبحت قلبا مريضايئن من وطأة التخطيط المائع والنفوس الجشعة التي لا ترحم وهمها فقط كيف تستغل وتدمر وتستولي على كل جميل لأنها لاترحم وأهدافهم التي تتمحور هو كيف نستنزف كل قطرة حليب من تلك المسالمة والمستسلمة لقدرها كان الله في عونها وأبقاهارغم ذاك الوجع وذاك الإستغلال .