خلق الانسان من تراب ممزوج بماء، اي طين لازب، ويعيش عليه، وينجذب اليه بفعل الجاذبية بين كتلته وبين كتلة الارض حسب قوانين الحركة لنيوتن، ثم بالنهاية يدفن فيه ويتحول جسمه الى تراب مثل الذي كان يدوسه بقدميه، وخلال حياته لا يستطيع ان يتخلص من قوة جاذبية التراب الا بطريقتين، ولمدة مؤقتة، عدا ذلك سيبقى يشعر بثقل قوة التراب على كاهليه الى ان يموت.
تلكما الطريقتان هما الاستعانة بقوة الماء اي قوة الطفو، وقوة الهواء اي قوة التحليق، فكلا المائعان - الماء والهواء - يتضادان مع قوة جذب التراب، وترفعانه عنه، فالاولى تجعله يطفو فوق تراب البحار والمحيطات والمسطحات المائية الارخميديسية، والثانية ترفعه عن تراب اليابسة باختلاف الضغط البرنولي، الاولى تتطلب زيادة حجمه ليطفو، والثانية تتطلب زيادة سرعته ليحلق ويطير. فما المقصود من هذه الفلسفة الحركية ؟
مقصد القول؛ ما لم يغير الانسان من خصائصه سيبقى في مكانه على التراب - ومن ثم الى التراب، لن يسمو بفكره وحياته وطموحاته ما دامت حركته التقليدية محدودة بفعل صغر حجمه النسبي وقلة سرعته النسبية، لن يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم المتثاقلة للأرض، قل سيروا في الارض ثم انظروا كيف بدأ الخلق، ومعرفة البدايات تسهل فهم النهايات، وترسم اشارات الدلالات، والارض بمكوناتها الثلاث من ماء وهواء وتراب هي مكان رحب للنظر ولجميع البشر.
ما تعاقب الليل والنهار الا نتيجة دوران الارض حول نفسها، وما بان جمال الفصول الاربعه الا بدورانها حول الشمس، وما سطع نور القمر الا بدورانه حولها، وظهر نور الاسلام بعد هجرته غياهب جاهلية مكة، ونجا موسى بيم، ونوح بفلك، وعيسى برفع. وما أصاب سهم الا لما غادر قوسه، وما فاح عطر عود الا لما هجر مكامنه، وما غرد طير بقفص، ولا زأر أسد بمحبس، ولا جرت خيل باسطبل، ولا أزهرت ربوة بلا وابل أو طل. تقطع صوت المزمار فأصدر انغاما، واهتز وتر العود فصدح ألحانا، وكان نفخ الصور للقيامة ايذانا.
خلاصة القول؛ لكي يسير الانسان في الارض، يجب ان يغير من حجم عقله ويزيد من سرعة انطلاقه، ولا يبقى يحبو على رجليه وينتظر التغيير والمستقبل الافضل، لكل مجتهد نصيب ومن سار على الدرب يصل، الغرق مصير من لا يجيد السباحة، والسقوط مصير من لا يجيد التحليق، والانجذاب للتراب حالة طبيعية حتمية، تؤدي بالنهاية للغرق فيه. وكلا الحجم والسرعة تحتاجان الى تدريب نفسي وبدني لكسر حواجز الخوف - حيث خلفه تكمن أسرار السعادة.
ليت أمواجها تصفو لنطفو، ورياحها تسكن لنحلق، لكن بحارها هادرة هائجة مائجة، وهبوبها عاصف قاصف صرصر. رب رحماك وغفرانك.
من مقالات الصمت في عالم ضجيج غبار التراب.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان