بقلم د. عبدالله اصحاب
نحن شعب نطعن في اصحاب المناصب والثروات والنفوذ، نتهمهم بالفساد، ونلعنهم احيانا في مجالسنا، وفي نفس الوقت، نمجدهم الى درجة العبادة، ونتملق لهم في مواقف ومجالس أخرى.
تعدد الشخصية الفصامي، هو مرض نفسي يسبب تعدد الشخصيات او الهويات المتميزة في شخص واحد، بحيث يكون لكل من هذه الشخصيات نمط ادراكي وتفاعلي خاص به مع البيئة المحيطة.
ربما يكون الاردنيون من اكثر الشعوب تباهيا بثقافتهم العامة، واطلاعهم على مكنونات السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها، والمامهم بما يستجد على الساحتين المحلية والدولية، من خلال مطالعتهم لامهات الكتب، ومتابعتهم التحليلية لاخبار الساعة، من الاخبار المقروءة والمسموعة والمرئية.
نعم، من النادر ان يتفق لك التواجد في مجلس، بين الاردنيين، يخلو من الخوض في غمار المواضيع السياسة والاقتصادية، والتنظير في الامور الدينية، وخاصة الاخلاقية منها، حتى انه يخيل اليك، من سعة اطلاع المتحدثين، وحسن تحليلهم للامور، وتقاذفهم للافكار والآراء فيما بينهم، انك في حضرة علماء مختصين، واكادميين يحملون شهادات الدكتوراة في المواضيع المطروحة. ومن الاندر ايضا، ان ينتهي اي نقاش في هذه الجلسات، دون توجيه اصابع الاتهام الى كل مسئول، صغيرا كان ام كبيرا، ممن استلموا زمام الامور في الاردن خلال العقود الماضية، بالفساد الاداري والسياسي، والتلاعب بمصائر الشعب، وسلب مقدرات الامة.
فيتحدث احدهم في هذه الجلسات عن امراض حب المال، والنفوذ، والادمان على السلطة في مجتمعاتنا العربية. وكيف ان نزع السلطة منهم بعد ان ادمنوا عليها، هو بمثابة نزع الروح في لعبة الثروة والنفوذ، ويستحضر مثال مبارك في مصر ومعمّر في ليبيا وصالح في اليمن وبشار في سوريا.
ويقترح ثانٍ متهكما، بضرورة دعوة اساتذة علم النفس والسلوك في الغرب، لاجراء دراساتهم عن الفساد، الى الوطن العربي، حيث ستكون فرحتهم عظيمة، ونجاهم باهرا، لوجود مرتع خصب في بلادنا لتجاربهم، خصوصا فيما يتعلق بموضوع جشع النفس وسعيها الدؤوب للمال والنفوذ.
ويُنَظّرُ ثالث بان الجشع والسعي وراء النفوذ، وعدم الاكتفاء، هو مرض يعاني منه ساسة ومسئولي الاردن، والشعب هو في النهاية من يعاني من آثاره.
ويتحدث رابع عن ان مبدأ "انا احصل على ما اريد، متى اريد، ممن اريد، ويحق لي كل شيء" الذي يتبناه بعض اصحاب النفوذ والساسة العرب، هو المسئول وبالدرجة الاولى عن المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الوطن العربي.
دعونا الآن نرى كيف يكون سلوك هذا الشعب المثقف، المنظّر، الذي لا تخفى علية خافية، ولا تغيب عنه شاردة، ولا واردة، ويمقت المفسدين، تُرى كيف يعامل شعبنا هذا اصحابَ النفوذ والسلطة، والذين يقر بفسادهم؟
في المناسبات الخاصة او العامة، كالعزاء، والحفلات، والاعراس، وجاهات الخطبة، والعطوات، والاجتماعات، نتراكض امام اصحاب النفوذ والسلطة اجلالا واكبارا. نسرع لاستقبالهم، عندما يطلون علينا في سياراتهم الفارهة، نفتح لهم الابواب، نوسع لهم في الطرق والمجالس، مما يعطيهم سببا للتعاظم في انفسهم والعجب بها.
في الانتخابات نصوت لهم، ونوصلهم الى قبة البرلمان، ومراكز أخرى لا يستحقونها، لاسباب عدة، منها القبلية والجهوية، ومنها مصالح مادية او خدماتية. فلا الاخلاق ولا القدرات ولا البرامج ولا المصلحة العامة، لها اي دور في اختيارنا لمن نصوت.
عند ارسال او استقبال الجاهات، نتسابق الى دعوة اصحاب النفوذ والمال والسلطة اولا، ونعتز بوجودهم في جاهاتنا، ونتفاخر بعدد اصحاب السعادة والمعالي والدولة فيها. دون ان نتوقف ولو لحظة للسؤال عن نزاهتهم، وما اذا كان وجودهم مدعاة للشرف او العار.
الن يظن الفاسدون بان طعننا فيهم واتهامنا لهم، انما هو مجرد حسد وضغينة لعدم توفر نفس الفرص لنا؟ كيف نلومهم ونحن نثبت لهم على الدوام بانه كلما زاد غلوهم وفسادهم، كلما زاد اجلالنا وتعظيمنا لهم؟ هل نحن صادقون فيما ندّعي؟ بل هل نحن صادقون في أي شيء؟
لو كنا صادقين، لشهّرنا علنا بمن ثبتت تهمة الفساد عليه منهم
لو كنا مصلحين، لرفضنا استقبال الجاهات التي هم فيها
لو كنا صالحين، لنبذناهم وغرّبناهم واستبعدناهم من حفلاتنا ومناسباتنا وتجمعاتنا
لو كنا مخلصين، ما انتخبناهم لمناصب هم ليسوا اهلا لها
لو فعلنا ذلك كله، كنا قد ارسلنا رسالة واضحة مجلجلة، باننا لن نتساهل مع المفسدين، مهما علا شأنهم وارتفعت مراتبهم. نعم، لو فعلناها، لصلح حالهم وحالنا معا.
ما هو يا ترى مضمون رسالتنا للمفسدين اليوم؟ السنا نقول لهم، نعم، نعتقد بانكم فاسدون حتى النخاع، ولكن يشرفنا ان تمثلونا كنواب ووجهاء، كما ويسعدنا ان تتحكموا باقدارنا وارزاقنا كوزراء ومدراء، ولكم منا كل الاجلال والتقدير.
اليست هذه حالة مستعصية وميئوس منها من مرض تعدد الشخصية الفصامي؟ ام هي حالة من حالات النفاق الاجتماعي؟ وهل من سبيل الى شفائنا منها؟