الاستطلاع الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية، لا يتعلق بأداء الحكومة فقط، النتائج -إذا صحت- تشير إلى حصيلة أداء الدولة في هذه المرحلة، وهي، بالطبع، ليست جديدة، ولا مفاجئة، ثلثا الأردنيين منذ سنوات لا يثقون بأداء الادارة العامة، بكافة فروعها، ولا يثقون بأنفسهم ومجتمعهم، لا أعتقد أن هذا الموقف الشعبي مرتبط بالأداء العام للمؤسسات، ثمة عوامل اهم تحركه، أهمها الهوية، والمواطنة، وغياب «القضية الأردنية».
في العاصمة، عمان، التي يشكل عدد سكانها نحو 40 % من سكان المملكة، لا تتجاوز نسبة الإقبال على الانتخابات البرلمانية حاجز الـ 10%، الانسحاب من المشاركة بالعمل العام، هنا، ليس احتجاجا على قانون الانتخاب، أو أداء الحكومات فقط، وإنما على قضايا أعمق، أو أسئلة معلقة لم تحسم الدولة إجاباتها، وهي كما -ذكرت سلفا - تكشف أزمة هوية وطنية، وليس أزمة ثقة، وأزمة مواطنه وليس أزمة تقسيم دوائر ومخصصات انتخابية.
في الاستطلاع الاخير، كما في مجمل الاستطلاعات السابقة، انصب اهتمام المحللين، وهجومهم أيضا، على الحكومات، باعتبارها صاحبة الولاية العامة افتراضيا، لم ينتبه الكثيرون إلى واقع البرلمانات و الإدارات الأخرى، ولا إلى واقع المجتمع أيضا، أسهل ما يمكن أن نفعله هو انتقاد الحكومة، اية حكومة، وتحميلها وزر ما حدث في بلادنا، ربما يكون السبب هو اختزال الدولة بالحكومة، وربما يكون بناء على رغبات متراكمة بذاكرتنا الشعبية، تجعلنا مرتاحين- ولو لبعض الوقت- لتغيير الحكومات، حتى لو كانت مجرد نسخ متشابهة.
الهجمة بأرقام الثقة على الحكومة الحالية، يمكن فهمها في سياقين اثنين : أحدهما توقيت إجراء الاستطلاع بعد عامين على تشكيل الحكومة، وعلى عتبة التسريبات بإجراء تعديل أو إعادة تشكيل، بما يحمله ذلك من رهانات سياسية لبعض الصالونات السياسية، و مراكز القوى، للتأثير على بقاء الحكومة من عدمه، هذا التوقيت يبدو انه غير بريء تماما.
اما السياق الثاني فيتعلق بوضع الحكومة، ورئيسها تحديدا، بمرمى النيران الصديقة وغير الصديقة، الهدف من ذلك هو الاستفراد بها، والتغطية على الوضع القائم الذي تراكم منذ سنوات وتتحمل مسؤوليته كل الحكومات المتعاقبة، هذا الوضع القائم لا يمكن أن يتغير بإزاحة الحكومة أو بمحاكمتها على أدائها، وإنما بتحديث الأطر السياسية العامة، أقصد النهج السياسي المتعلق بطريقة تشكيل الحكومات، وإدارة الشأن العام، وهذا ما نأمل أن يسفر عنه مشروع التحديث السياسي الذي ما زال يطبخ على نار هادئة.
افهم، سياسيا، أن لا يثق ثلثا الأردنيين بالحكومات، و مجالس النواب، وان تتراجع ثقتهم بالأمن الشامل (الاجتماعي والاقتصادي والنفسي) لكن ما لا افهمه هو أن لا يثق اغلبية الأردنيين بأنفسهم، وبعضهم بعضا، وأن لا تجد نتائج غياب هذه الثقة ما تستحقه من اهتمام لدى المحللين والمتابعين ومراصدنا الاجتماعية، ثم ما لا افهمه ولا أقبله هو أدراج المؤسسات الأمنية بهذه الاستطلاعات بصورة علانية، هذا خطأ كبير يجب أن ننتبه إليه، ليس لأن هذه المؤسسات مقدسة، ولا تخطئ، وإنما لأن أداءها (الجيش مثلا ) يحظى بثقه كل الأردنيين، ولا مجال للتشكيك فيه، الا إذا كان ثمة أهداف أخرى لا نعرفها.