سلامة الدرعاوي - مع نهاية هذا العام تكون آخر دفعة مساعدات خليجية للأردن بواسطة مؤتمر مكة قد نُفذت من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بمنح مالية مباشرة للخزينة بقيمة 100 مليون دولار مناصفة بين الدولتين، ليقفل بعد ذلك أحد أبرز نوافد الدعم المباشر وغير المباشر للاقتصاد الأردني بعد انتهاء مدتها.
إعلان مكة كان مؤتمراً دعت إليه السعودية في عام 2018 لدعم الأردن اقتصادياً لمواجهة التحديات التي تعصف به بين الحين والآخر، حينها أعلنت كل من السعودية والإمارات والكويت تقديم حزمة من المساعدات الاقتصادية للمملكة يصل إجمالي مبالغها إلى 2.5 مليار دولار، وذلك للمساهمة في إخراج الأردن من الأزمة الاقتصادية التي يمر بها.
هذه المساعدات التي أقرت قبل خمس سنوات تقريباً كان لها الأثر الإيجابي الكبير في دعم واستقرار الاقتصاد الوطني، وساهمت في دعم قطاعات ومشاريع اقتصادية، والنهوض بعدد من المؤشرات المالية، حيث إنها كانت تتمثل حزمة المساعدات في وديعة بالبنك المركزي الأردني وتركت آثارا إيجابية في دعم احتياطات المملكة من العملات الصعبة، إضافة إلى ضمانات للبنك الدولي لمصلحة الأردن، وهذه أيضاً أسست لمساحات مالية جديدة أمام الحكومة في التمويل الخارجي وتوفير تسهيلات وأسعار فائدة متدنية مقارنة مع ما هي عليه في الأسواق.
مساعدات إعلان مكة أيضا وفرت دعماً سنوياً لميزانية الحكومة لمدة خمس سنوات بقيمة تناهز الـ124 مليون دولار سنوياً، إضافة إلى تمويل من صناديق التنمية لمشاريع إنمائية.
الدعم الخليجي للأردن ليس حالة استثنائية كما يتصورها البعض، بل هي عملية تراكمية ومؤسسية منذ عقود ولعبت دوراً محورياً في إنقاذ الاقتصاد الأردني ودعمه، والكل يتذكر الموقف السعودي عام 1989 وعلى إثر أزمة الدينار عندما قدمت منحة عاجلة بقيمة 25 مليون دولار للخزينة، وأودعت في البنك المركزي الأردني الذي كانت احتياطاته من العملات الأجنبية بالسالب 200 مليون دولار، كان لها الأثر الكبير في استقرار الدينار وحمايته من الانهيار المحقق، وعودة الاقتصاد برمته إلى مساره الصحيح.
أيضاً بعد احتلال العراق وانقطاع النفط التفضيلي عنا، قدمت المملكة العربية السعودية مليار دولار كدعم مباشر للخزينة، ثم تحولت إلى 100 ألف برميل نفط يومياً، إضافة إلى 50 ألف برميل من الكويت لمدة ستة أشهر، ثم مساعدات مالية بقيمة 200 مليون دولار سنوياً بشكل مباشر.
وفي الربيع العربي، تحولت المساعدات إلى مجلس التعاون الخليجي الذي منح المملكة 5 مليارات دولار ضمن برنامج مساعدات مدته خمس سنوات، التزمت به كل من السعودية والكويت والإمارات.
المساعدات الخليجية كانت تأتي في أوقات مفصلية في تاريخ الاقتصاد الأردني، لذلك كانت أهميتها كبيرة في تعزيز استقراره وثبات الدينار.
إعلان قمة مكة الداعم للاقتصاد الوطني قبل خمس سنوات جاء بعد الموقف الإيجابي الذي طرحه صندوق النقد الدولي تجاه الأردن ودعوته المباشرة لدعم المملكة التي تستضيف اليوم أكبر عدد من اللاجئين في العالم، حيث استطاعت المملكة وقتها توقيع اتفاق جديد معه لثلاث سنوات ساهمت في تعزيز علاقة الأردن مع الدول المانحة، واليوم الأردن يرتبط باتفاق مدته أربع سنوات مع الصندوق.
سياسياً، كانت هذه المساعدات وسيلة فاعلة في دعم موقف الأردن وتعزيز صموده تجاه مختلف القضايا في المنطقة، فقد كان الأردن بشكل دائم وبسبب ارتباطه بالقضية الفلسطينية، وكونه الحاضن الأكبر للاجئين في المنطقة، جعل من أراضيه موضع قدم لحركة لاجئين غير تقليدية، وهي ما شكلت ضغوطات غير مسبوقة على استقراره الاقتصادي، من خلال الضغوطات على البنية التحتية ومرافقها المختلفة.
اليوم ومع انتهاء فترة إعلان مؤتمر مكة ستخلو موازنة العام المقبل من أي دعم مباشر للخزينة سوى من الدعم الأميركي الذي يشكل اليوم أكبر حجم منح خارجية تقدم للخزينة.
المرحلة الراهنة غامضة سياسياً واقتصادياً نتيجة لتعقيدات المرحلة وصعوبة تحدياتها وارتباطهما ببعضهما بعضا، أي العامل السياسي مع نظيره الاقتصادي، وما يحدث اليوم في الاقتصاد الوطني هو أمر لصيق للعامل السياسي الذي ما تزال ملامحه لم تتضح بعد، والجميع بانتظار ما ستفرزه تداعيات التطورات السياسية والتي قد تشكل الشكل الجديد للاقتصاد في المرحلة المقبلة.