بعد تجربة حكومية تميزت بمنهجية "الإفراط" في التواصل والتعاطي مع العمل السياسي ، يعيش الأردنيون مع حكومة الدبلوماسي بشر الخصاونة ، منهجية "الصمت المطبق" في كل القضايا وعلى جميع الأصعدة، خاصةً تلك التي تمسّ مباشرة المواطنين وجيوبهم.
أمام هول المصائب وكثرة الزيادات في المواد الغذائية، وارتفاع أسعار المحروقات، لم تكلّف الحكومة نفسها ولا حتى وزراءها ونواب الأمة عناء توضيح هذه الأمور بشكل منطقي للمواطنين، الذين انتخبوهم أصلاً لهذه الغاية عبر وسائل الإعلام الحكومية أو الخاصة ، في حين لم تعد تبريرات الأزمة العالمية والجفاف الذي يعاني منه الأردن ، تقنع كل المواطنين، لأنه في الوقت الذي يتراجع فيه سعر برميل النفط في الأسواق العالمية، يرتفع ثمنه في الأردن ، وهو ما رأى فيه العديد من المتخصصين الإقتصاديين نوعاً من العبث، وضرباً للقدرة الشرائية للمواطنين، وقضاءً على الطبقة المتوسطة في المجتمع، والتي لطالما دعا جلالة الملك إلى ضرورة الحفاظ عليها، لأنها تُعدّ "صمّام أمان للمجتمع" .
صمت رئيس الحكومة ينطبق على غالبية وزرائه، وهم التكنوقراط، الذين ليست لهم التجربة السياسية الكافية، التي تمنح القدرة على التواصل مع الإعلاميين، والتوجه إلى المواطن العادي بلغة يفهمها.
الإستثناء الوحيد للندوات الصحافية، يظل تلك التي تنعقد عقب المجلس الحكومي . فهي وإن كان يُشهد لها بالانتظام، فإنها تظل "ندوات باهتةً لا تواصل فيها"، ولا إجابة عن الأسئلة "الحارقة"، بشهادة العديد من الإعلاميين، لأنها ندوات تغيب عنها المعلومات المطلوبة والأخبار التي يمكن أن تصنع عملاً مهنياً واحترافياً.
"الحكومة الصامتة" مردها إلى أن بروفايلات الوزراء تكنوقراطية لم تتمرّس على العمل السياسي، ووجدوا أنفسهم أمام ملفات ذات طبيعة اجتماعية او اقتصادية بتداعيات سياسية.
حتى الوزير المنتدب لدى رئيس الحكومة ، الناطق الرسمي باسم الحكومة ، والذي من المفروض أن تكون لديه قدرة على التواصل والإقناع والدفاع عن البرامج الحكومية، بصفته إعلامي من الدرجة الخاصة فهو برأي الكثير من الإعلاميين عبر تدويناتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، غير قادر على إقناع الصحافيين ولا حتى مدّهم بالكثير من المعطيات أو التوضيحات اللازمة، إذ غالباً ما يتجنّب الإجابة عن أسئلة الصحافيين التي تخرج عن الطابع "الرسمي".
أما وزراء الحكومة، فقليلون منهم من نظموا ندوات صحافية، إذ بالإضافة إلى افتقار كثيرين منهم إلى الخبرة والحنكة السياسيتين وحتى اللغة فغالبيتهم مسيرون "، فإنهم يحتمون بالصمت وبالفائض الزائد من "الغرور"، ما يدفع الإعلاميين المهنيين إلى العزوف عن حضور تلك الندوات لأنه لا فائدة تُرجى من ورائها، وما يتوصلون إليه بفضل مجهوداتهم وعملهم الميداني والمهني من أخبار أفضل بكثير مما يقدَّم لهم خلالها.
" سياسة الصمت"
في هذا الإطار، يوصف تواصل حكومة الدكتور بشر الخصاونة مع الناس بالضعف لإعتبارين: "الأول أننا أمام بروفايلات وزارية تكنوقراطية لم تتمرّس على العمل السياسي، وجدت نفسها أمام ملفات ذات طبيعة إجتماعية او إقتصادية بتداعيات سياسية تحتاج إلى الدفاع عن القرارات، وهو ما أثر على صورة الحكومة وفعالية تواصلها. والإعتبار الثاني أن الوضع الإقتصادي وتحدّيات الحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين يفرضان الدفاع عن قرارات قد تبدو غير شعبية لكن في مصلحة الدولة، بالإضافة إلى أنّ تضارب المصالح يفرغ أي محاولة تواصل من محتواها في ظل وجود هذه الوضعية".
إن جنوح بعض الوزراء في الحكومة إلى سياسة الصمت والتواري إلى الخلف، سببهما الأساسي هو "ضعف المنجز في ظل تعاظم الطلب الاجتماعي ووجود آمال لدى شريحة واسعة من السكان صوتت لمجلس أمة عقيم".
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي