مهم جدا ما آلت اليه الامور أخيرا من التوصل الى اتفاق على ترسيم الحدود بين لبنان واسرائيل بجهود وساطات أمريكية، ليس لأن الاتفاق سيمكّن لبنان من الافادة من حقول الغاز في البحر الابيض المتوسط، وبالتالي مساعدة لبنان على مواجهة التحديات الاقتصادية التي يواجهها، ويساعد بتحقيق الامن والاستقرار فحسب .. بل لأن هذا الاتفاق سيساعد كثيرا لبنان أيضا في مباحثاته ومفاوضاته مع البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بدعم الاقتصاد اللبناني عموما، وينقله من دولة يصف البنك الدولي انهيار اقتصادها على أنه الاسوأ في العالم منذ منتصف القرن الماضي، ووصل الدّين الداخلي والخارجي الى نحو(100 مليار دولار) وتجاوزت نسبة الفقر ( 82%) وانهارت عملتها بنسبة (95%)، ووصلت البطالة بين الشباب لنحو( 70%) ..الى دولة يبشّر استخراج النفط والغاز فيها - حتى لو احتاج الأمر لأربع سنوات قادمة - بخلق فرص عمل للّبنانيين واستعادة ثقة الجهات المموّلة بالاقتصاد اللبناني، وربما أيضا تحريك مباحثات دعم تمويل مشروع توصيل الغاز المصري عبر الاراضي الاردنية والسورية الى لبنان - رغم أننا لا ندري هل سيستمر هذا المشروع أم سينتظر نتائج استكشافات الغاز في المياه اللبنانية التي تم تكليف شركة «توتال» الفرنسية ببدء أعمال التنقيب فورا -اضافة للمفاوضات اللبنانية مع «البنك والصندوق الدوليين» حول مشروع ايصال الكهرباء من الاردن الى لبنان عبرالاراضي السورية، والذي ينتظر قرار الجهة الممّولة للمشروع، وفيما اذا كان المبلغ المقدّم على شكل قروض أو مساعدات أو منح، وبناء عليه سيكون قرارلاحق للولايات المتحدة الامريكية بدعم هذا المشروع بالصورة التي تراها مناسبة.
استقرار لبنان قضية مهمة جدا للاردن، للعلاقات التاريخية المتجذرة بين البلدين ولأن أمن واستقرار لبنان ينعكس على أمن واستقرار المنطقة، وقد كان الملف اللبناني في مقدمة الملفات التي ركّز عليها جلالة الملك عبد الله الثاني في كثير من المحافل الدولية مؤخرا، وأبدى استعداد الاردن لتقديم الدعم اللازم للاشقاء في لبنان.
استقرار لبنان سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، أولوية في هذا الوقت الذي يتم فيه الحديث عن مشاريع اقليمية تهدف الى التكامل الاقتصادي ..ولبنان اليوم في مرحلة مفصلية واستحقاقات مرتقبة من حيث انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة بصلاحيات كاملة خلفا لحكومة تصريف الاعمال..والاستقرار السياسي لا بد أن ينعكس ايجابا على الاقتصاد اللبناني الذي وصل الى مرحلة هي الاصعب بين دول العالم، وبات اللبنانيون يواجهون ظروفا معيشية قاسية لم تمر بتاريخ لبنان الذي كان يشار اليه بالبنان على انه سويسرا الشرق الاوسط.
من هنا نتطلع الى مرحلة « تعافي» لبنان بكافة المجالات، ونتوقع « هبّة «عربية ودولية لمساعدة هذا البلد صغيرالحجم مساحة وتعدادا..كبير بإرادة شعبه وصبره وعطائه وتميزه وابداعاته في كافة المجالات، وهذا لا يكون الا ببداية حقيقية من الداخل تعطي رسائل اطمئنان الى الاقليم والعالم، بأن ّاللبنانيين قد عزموا أمرهم باعادة تنظيم أجهزة الدولة وأركانها، واتخاذ قرارات وبرامج اقتصادية تعيد الثقة والطمأنينة للبنانيين الذين ضاقت بهم الأمور الى درجة أصبح فيها اقتحام البنوك للحصول على مستحقات المودعين ظاهرة مؤلمة أمنيا واقتصاديا وانسانيا.
ترسيم الحدود.. ينقل لبنان الى دولة تمتلك ثرواتها من الغاز والنفط ما يمكّنها بمواجهة التحديات التي تعترضها، وحتى تستثمر طاقاتها وثرواتها فهي بحاجة الى قيادات تدرك أهمية وحساسية المرحلة التي لا يملك فيها لبنان ترف الوقت ولا تكرار أخطاء في مراحل ضاعت فيها ثروات البلد، وأضعفت أجهزة الدولة، وأضاعت حقوق المواطنين بالحد الأدنى من متطلبات العيش الكريم.
لبنان أمام مرحلة جديدة وفرصة مهمة، على زعمائها التقاطها وبسرعة كي يعود لبنان الى سكة التعافي من جديد ... والأردن كان وسيبقى عونا وسندا للبنان بكل ما يستطيع، وما مشروع «الكهرباء « الا خطوة.. من المتوقع أن تتلوها خطوات أخرى تتعلق بالامن الغذائي والتعاون الزراعي ( وفق اتفاقات وزراء الزراعة في الاردن والعراق وسوريا ولبنان مؤخرا) ومشاريع التكامل الاقتصادي في الاقليم والتي ستنعكس ايجابا على كافة دول وشعوب المنطقة.