الانتخابات الإسرائيلية القادمة على درجة عالية من الأهمية، ليس فقط على صعيد أثرها على الإقليم، ولكن أيضا لجهة المشهد السياسي الإسرائيلي الداخلي، الذي أحكم اليمين الإسرائيلي سيطرته عليه لسنوات طويلة، كان أسوأها الفترة التي حكم بها نتنياهو، حيث أجهز على عملية السلام، وأزاح المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين، وأحدث ضررا بالغا بعلاقات إسرائيل مع الجوار، خاصة السلطة الوطنية الفلسطينية والمملكة الأردنية الهاشمية، وهما الأهم على صعيد عملية السلام والتسوية النهائية، والامن والاستقرار الاقليميين. هذه بعض من حصيلة 10 سنوات من حكم نتنياهو، أفضت أيضا الى كم هائل من خطاب الكراهية، وشيوع اجواء من عدم الثقة، ما اطاح بحلم السلام والعدالة التي سادت بالتسعينيات.
أسوأ ما قد يحدث في الانتخابات الاسرائيلية القادمة ان يعود نتنياهو للحكم، فهذا معناه عودة اللاثقة وخطاب الكراهية، والتعاون المحدود المشروط في حدوده الدنيا، ومعناه ايضا، ان غالبية الناخبين الاسرائيليين قد اختارت التشدد والتعنت والتصعيد بدلا من التعاون والاعتدال. عودة نتنياهو لن تكون قمة الكوارث، ولكنها ستأذن بتعطيل جديد للسلام والتعاون وانتعاش للكراهية. انظروا الفرق بينه وبين لبيد، الذي وقف أمام الامم المتحدة واعلن دعم حل الدولتين، ما استنزف اصواتا انتخابية كان سيحصل عليها. هذا الفرق بين من يعلي مصلحة بلده على مصلحته ومن يمتطي مصلحة بلدة طلبا لحفنة اصوات. لبيد يدعم حل الدولتين لقناعته انها النهاية المنطقية لهذا الصراع، وان وجود دولة فلسطينية ليس – فقط- حلما وطنيا فلسطينيا، بل ضرورة وجودية لإسرائيل، ومصلحة عليا للأردن، الدولة الاهم لإسرائيل على كافة المستويات.
جمهور الناخبين الإسرائيليين هو من سيقرر نتائج الانتخابات القادمة، لكن لا يجب تقليل اثر بايدن في تلك الانتخابات، وهو المتوغل والمؤثر بالمشهد السياسي الاسرائيلي، مدعوما بشبكة علاقات وتأثير أميركية واسرائيلية. بالتزامن مع ذلك، فعديد من الدول العربية ترغب بعمل اي شيء للدفع باتجاه حكومة تدعم حل الدولتين، ولكن رسميا لا يمكن عمل الكثير، ولا رغبة بإظهار التدخل لأنه سيكون ذا نتائج عكسية، والمؤكد انه سوف يستفز إسرائيل. ثمة بعض الافكار من خارج الصندوق التي يتم تقييمها الآن، في كيفية التأثير دون التدخل، وهي تدرس الآن من قبل حلقات دوائر قرار. خارج الإطار الرسمي، وفي وضع مثالي، ولولا سنوات طويلة من خطاب الكراهية المدعوم من نتنياهو، كان يمكن للقوى العربية غير الرسمية الاشتباك مع المشهد الانتخابي الاسرائيلي، ولكن تبدو حظوظ ذلك ضعيفة الآن، وقد تم ترك هذا الميدان فارغا يملؤه التشدد ما يمثل قصر نظر استراتيجي.
نأمل ان ينحاز الناخبون في إسرائيل للقوى السياسية التي تريد الاشتباك ايجابيا وتؤمن بالسلام والتعاون، وان يدركوا ان امنهم يكمن في الجار الجيد وليس بغير ذلك، وان هذا الجار لن يكون جيدا اذا ما اهملت مصالحه واذا ما غابت العدالة عنه. خطاب التشدد اليميني لن يجلب الا الخراب واجواء الكره وانعدام الثقة، وعكسه سيجلب ما يحقق مصالح الجميع، ويشيع اجواء التعاون والتكامل والعدالة.