زاد الاردن الاخباري -
كشفت دراسة أمريكية حديثة أن الناس يمكن أن يتراجعوا عن مساعدة المحتاجين، ويكونوا أقل كرمًا وسخاءً في دفع التبرعات بسبب قلة النوم.
وأوضحت الدراسة التي نشرتها دورية "بلوس بيولوجي" (PLOS Biology)، أن "هذا السلوك مرتبطٌ بانخفاض النشاط في شبكة الدماغ، التي تنشط في العادة في أثناء السلوك الاجتماعي الإيجابي، مثل الإيثار ومساعدة الآخرين".
وسواءٌ تعرَّض الأفراد للحرمان من النوم لمدة ليلة، أو تعرضوا لتغيُّر طبيعي في النوم، أو حتى مجرد فقدان ساعة واحدة من النوم المعتاد، فإن قرار مساعدتهم للناس أو حتى التبرُّع يمكن أن يتأثر بقلة النوم، وفق النتائج.
توضح إيتي بن سيمون -الباحثة في علم النفس بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، والمتخصصة في دراسة عواقب فقدان النوم على الدماغ والجسم البشري، والمشاركة في الدراسة- أن "البشر يساعد بعضهم بعضًا؛ فالمساعدة سمة مميزة للإنسان العاقل، ومن خلال هذه المساعدة التعاونية، أصبحت الحضارة الحديثة ممكنة، لكن ما الذي يحدد ما إذا كان الأفراد أو الجماعات أو المجتمعات بأكملها يقررون مساعدة بعضهم لبعض، أو يختارون اللامبالاة؟".
تقول "إيتي": في هذه الدراسة، أظهرنا أن النوم غير الكافي يمثل عاملاً سببيًّا -لم يتم التعرف عليه سابقًا- يحدد ما إذا كان البشر يختارون مساعدة بعضهم لبعض أم لا.
** تجارب تثبت تأثير قلة النوم على السلوك البشري بمساعدة الآخرين
للوصول إلى نتائج الدراسة، أجرى الفريق ثلاث تجارب مختلفة لفحص كيفية تأثير قلة النوم على هذا السلوك البشري الأساسي، وهي كما يلي:
في التجربة الأولى، تم تقييم الاستعداد الفردي لمساعدة الآخرين ونشاط الدماغ من خلال ملء استبانة حول الإيثار المبلغ عنه ذاتيًّا بعد ليلة من النوم الطبيعي، وبعد ليلة من الحرمان من النوم، وتم تقييم نشاط الدماغ لهؤلاء الأفراد باستخدام التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي.
وفي التجربة الثانية، طُلب من مجموعة أخرى من الأشخاص ملء استبانة حول الإيثار، وأن يذكروا معدل نومهم الليلي، وعلاقته بمساعدة الآخرين.
في حين قيّم الفريق في التجربة الثالثة حجم التبرعات التي دفعها الأشخاص في الولايات المتحدة خلال الأسابيع التي سبقت تطبيق التوقيت الصيفي، وبعد تطبيقه؛ إذ فقد الناس ساعةً من نومهم ليلًا.
وأظهر التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي أن الحرمان من النوم يُضعف نشاط شبكة الدماغ، التي تنشط عادةً في أثناء السلوكيات الاجتماعية الإيجابية، وبشكل عام، ارتبط هذا الضعف في نشاط الدماغ برغبة أقل في الإبلاغ الذاتي عن مساعدة الآخرين في أول تجربتين، كما ارتبط أيضًا بتقديم مساعدة نقدية أقل في التجربة الثالثة، التي سجلت انخفاضًا بنسبة 10٪ في مبالغ التبرعات بعد فقدان ساعة من النوم.
تضيف "إيتي": هناك ثلاثة اكتشافات رئيسية لهذه الدراسة، الأول أن فقدان النوم (الحرمان التام وحتى التخفيضات المتواضعة التي تختلف من ليلةٍ إلى أخرى) يؤدي إلى تراجُع رغبة الأفراد في مساعدة الآخرين، رغم أن هؤلاء الأفراد ذكروا أنهم كانوا يرغبون في المساعدة بعد ليلة نوم مريحة، وكان هذا ملحوظًا حتى عند وضع التأثير السلبي لفقدان النوم على الحالة المزاجية والتحفيز في الاعتبار.
وتتابع: من المثير للاهتمام، والمتناقض مع النظريات الكلاسيكية التي تفترض أن الأشخاص يَرجُح أن يساعدوا أقرب أقربائهم، أن قلة النوم أضعفت أيضًا دوافع مساعدة الآخرين بغض النظر عما إذا طُلب منهم مساعدة الغرباء أو حتى الأقارب المقربين (مثل الأصدقاء والعائلة)، وهذا يعني أن قلة النوم تؤدي إلى ظهور نمطٍ ظاهري من السلوك الاجتماعي واسع التأثير، لا يشمل الغرباء فقط، بل حتى المقربين.
وفيما يتعلق بالاكتشاف الثاني، فقد كشفت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي عن نشاطٍ ضعيفٍ إلى حدٍّ كبير في مناطق الدماغ التي تعمل عندما يتعاطف الناس مع الآخرين أو يحاولوا فهم رغبات الآخرين واحتياجاتهم، بما يتضمن الحاجة إلى المساعدة، وتعطينا هذه البيانات العصبية لمحةً عن السلوك الاجتماعي الناجم عن قلة النوم، أما الاكتشاف الثالث فقد تمثَّل في أن تأثير فقدان النوم لم يقع على الأفراد فقط، بل سُجل على مستوى المجتمع؛ فالتوقيت الصيفي الذي أدى إلى فقدان فرصة النوم لمدة ساعة واحدة، نتج عنه تقليل الإيثار بشكل كبير في المساعدة عبر أمةٍ بأكملها، واتضح ذلك من خلال تحليل أكثر من 3 ملايين تبرع خيري تم تقديمه في الولايات المتحدة الأمريكية في الفترة ما بين 2001 وحتى 2016.
** النوم غير الكافي لا يضر فقط بالصحة العقلية والجسدية وإنما أيضا بالروابط بين الأفراد
أشارت "إيتي" إلى أن هذه الاكتشافات تُثبت أن قلة النوم تقلل من الرغبة الفطرية لدى البشر في مساعدة بعضهم لبعض، وتضاف النتائج إلى مجموعة متزايدة من الأدلة التي تثبت أن النوم غير الكافي لا يضر فقط بالصحة العقلية والجسدية للفرد، لكنه يضر أيضًا بالروابط بين الأفراد، وحتى مشاعر الإيثار لأمة بأكملها، وبالنظر إلى أهمية مساعدة الإنسان في الحفاظ على المجتمعات المتحضرة والتعاونية، جنبًا إلى جنب مع التآكل الشديد لوقت النوم على مدار الـ50 عامًا الماضية، فإن تداعيات هذه الاكتشافات كبيرة.
وتختتم "إيتي" حديثها قائلة: لقد حان الوقت لنا كمجتمع أن نتخلى عن فكرة أن النوم غير ضروري أو مضيعة للوقت، ودون الشعور بالحرج، علينا أن نحصل على النوم الذي نحتاج إليه، إنه أفضل شكل من أشكال اللطف الذي يمكننا أن نقدمه لأنفسنا، وكذلك للأشخاص من حولنا.