زاد الاردن الاخباري -
رغم الخلافات الحادة بين الرياض وطهران، إلا أن سياسات البلدين تظهر تناغما في دعم روسيا، حتى لو كان ذلك من دون تنسيق مشترك، الأمر الذي يتطلب من الولايات المتحدة أن تتبع استراتيجية جديدة لمواجهة هذا الأمر، وفق تحليل نشرته مجلة فورين بوليسي.
ووفق المجلة، فإنه بالتزامن مع توفير طهران أسلحة وطائرات مسيرة لموسكو، تساهم الرياض في خفض إنتاج النفط في السوق العالمية، ما يدعم إبقاء روسيا قادرة على تعظيم إيراداتها من الطاقة.
وجاء توقيت قرار خفض إنتاج "أوبك بلس" للنفط مباغتا للولايات المتحدة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، وانتخابات التجديد النصفي، ناهيك عن مطالبات واشنطن والدول الغربية زيادة كميات إنتاج النفط لخفض الأسعار في الأسواق العالمية من جهة، وتقليل إيرادات موسكو من جهة أخرى.
ويوضح التحليل أن "إيران والسعودية يستخدمان الصراع في أوكرانيا لإضعاف المصالح الغربية"، مشيرا إلى وجود عدة عوامل تدفع بالرياض وطهران لتقوية موقفيهما، إذ تشير سياسات البلدين إلى أنهما يتطلعان لعلاقات "ذات اتجاهين" مع الغرب.
ويلفت التحليل إلى أن رفض السعودية التعاون مع الولايات المتحدة في السياسة النفطية، لا يعني الوقوف إلى جانب روسيا، خاصة وأنها صوتت ضد موسكو في جميع قرارات الأمم المتحدة، وقدمت دعما لكييف بمئات ملايين الدولارات، ودعمت صفقة الإفراج عن أسرى أجانب اعتقلتهم روسيا في أوكرانيا، ولهذا فإن تحركات الرياض الأخيرة يدفعها عدم الانحياز لواشنطن "التي تشعر أنها لم تعد شريكا يمكن الاعتماد عليه"، مشيرا إلى أن سياسة "النفط مقابل الأمن" لم تعد كما كانت من قبل.
كما ترسل الرياض العديد من الرسائل من خلال سياساتها الأخيرة، بأنها تريد إعادة التفاوض بشأن الشراكة في منطقة الشرق الأوسط، والتي أصبحت متعددة الأقطاب، حيث ترى المملكة أنها مؤهلة لتكون لاعبا رئيسيا، فيما تضغط طهران من جانبها تجاه علاقات اقتصادية أكبر مع الصين وتوسع شراكتها العسكرية مع روسيا.
إعادة ضبط الاستراتيجية
ويدعو التحليل واشنطن إلى الاعتراف بواقع الحال بظهور نظام متعدد الأقطاب في الشرق الأوسط، وإعادة ضبط تفكيرها، بعيدا عما سبق عندما كانت مبنية على أساس "فرضية الهيمنة الأميركية على الشرق الأوسط".
ويتابع أنه من الواضح أن المزيد من العقوبات الغربية "لن تغير سلوك إيران"، ويجب على واشنطن والدول الأوروبية التركيز على رصد واعتراض شحنات الأسلحة الإيرانية التي تصدرها إيران، إضافة لاتخاذ خطوات ملموسة لدعم الشعب الإيراني.
وينصح التحليل باستغلال المحادثات للاتفاق النووي للتأثير على إيران، فقد تكون الفوائد الاقتصادية حافزا لطهران للعودة بسبب الضغوط المحلية المتزايدة من ناحية الاحتجاجات، والضغوط الدولية من ناحية الانتهاكات التي تقوم بها إيران في إمداد روسيا بطائرات الدرون، وهو ما يعني انتهاك قرارات مجلس الأمن.
الرياض وواشنطن تتبادلان "اتهامات علنية نادرة" بعد قرار أوبك بلاس
أما فيما يتعلق بالسعودية، يجب على واشنطن القبول بفرضية أن علاقتها مع الرياض تحتاج إلى إعادة ضبط، والتركيز على المصالح الأساسية لكلا الجانبين، والابتعاد عن نهج التدابير العقابية التي ستغرق العلاقة بين الطرفين في دوامة، ستدفع بأسعار الطاقة للارتفاع.
ويدعو التحليل واشنطن إلى تبني "تدابير إبداعية" لتعزيز قدرتها على الصمود في مواجهة منتجي الطاقة، وتسريع وضع حد أقصى لأسعار النفط الروسي، وتكثيف التعاون مع أوروبا بشأن إمداد الغاز المسال، وإعادة النظر في قانون مكافحة الاحتكار لاستهدف "كارتلات إنتاج النفط الأجنبية"، والحفاظ على صناعة الطاقة الأميركية.
وشدد التحليل على ضرورة اتباع الغرب "سياسات جديدة أكثر إبداعا وفعالية للرد على القوى الإقليمية في النظام العالمي متعدد الأقطاب الذي سرعه الصدام مع روسيا".
وفي الوقت الذي يدعو فيه هذا التحليل إلى البحث عن "سياسات إبداعية"، تشير تقارير أخرى إلى الحاجة "لضبط العلاقة" بين واشنطن والسعودية، ولكن من خلال قرارات عقابية، والبدء بتجميد "مبيعات الأسلحة" للرياض.
وقال تقرير نشرته مجلة فورين أفيرز إن "واشنطن عليها أن تكون مستعدة لوقف مبيعات الأسلحة بشكل دائم" إذا استمرت الرياض في تعظيم علاقتها مع موسكو، مشيرا إلى أن "السعودية تحتاج للأسلحة الأميركية أكثر مما تحتاج الولايات المتحدة للنفط السعودي".
واعتبر التقرير أن السعودية "تواصل استغلال العلاقة التاريخية" مع الولايات المتحدة، وهو ما يتطلب "إعادة تقييم العلاقات الدفاعية بين البلدين"، والذي قد يؤدي إلى "وقف أسطول المملكة الدفاعي بأكمله في غضو أشهر" نظرا لأن أنظمة الأسلحة الأميركية غير قابلة للتبديل، وقد تحتاج إلى عقود للانتقال من أنظمة الأسلحة الأميركية لأنظمة أخرى، وفق ما نقلت صحيفة واشنطن بوست عن خبراء في الأسلحة.
ويتفق تحليل آخر نشرته مجلة ناشونال إنترست مع هذه التوصيات بضرورة "إخضاع النظام السعودية للمساءلة، وعدم السماح للحجج حول الفوائد الاستراتيجية والاقتصادية المزعومة للعلاقة بين البلدين بأن تقف في طريق ذلك".
وتحدث وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن الأربعاء إن السعودية أرسلت مؤشرات "إيجابية" منذ أن قررت خفض الإنتاج النفطي، لكنه أكد أن واشنطن لا تزال غير راضية.
وقال بلينكن في تصريح لوكالة "بلومبرغ" إن "هذه تطورات إيجابية. لا تعوض عن القرار الذي اتخذته أوبك بلاس بشأن خفض الإنتاج. لكننا أخذنا علما بها".
وكان جو بايدن قد تعهد خلال حملته الرئاسية جعل السعودية دولة "منبوذة" على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان تسجل على أراضيها بما في ذلك جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول، وفق تقرير لوكالة فرانس برس.
لكن بايدن وبعدما تولى سدة الرئاسة الأميركية أجرى في يونيو زيارة للمملكة التقى خلالها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للبلاد.
وكان مسؤولون أميركيون يعولون على الزيارة للتوصل إلى تفاهم بشان أسعار النفط وسط ضغوط يواجهها بايدن على خلفية ارتفاع الأسعار ومعدل التضخم.
واشنطن أصدرت تقريرا يربط بين مقتل خاشقجي وولي العهد السعودي
وجدد بلينكن التأكيد على أن السعودية اتخذت "قرارا خاطئا" رافضا الحجج التي قدمتها الرياض لتبرير الخطوة بوصفها استجابة لديناميكيات السوق.
وقال بلينكن "لم يكن هناك في تحليلنا الذي أطلعنا السعوديين عليه ما يشير إلى أن الأسعار كانت ستتراجع بشكل سينطوي على مشكلة بالنسبة إليهم".
كذلك أكد بلينكن أن إدارة بايدن تجري إعادة تقييم للعلاقة مع السعودية، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.
وقال إن عملية إعادة التقييم ستجرى "بالتشاور مع أعضاء الكونغرس" بما يضمن أن "تعكس العلاقة بشكل أفضل مصالحنا الخاصة".