نسبة الأخبار الكاذبة في وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر وتيك توك وغيرها نسبة مرتفعة، سواء في العالم العربي، أو في دول كثيرة، وقد تحولت إلى منصات لتخريب البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي حالات تتولى خلخلة الاستقرار نيابة عن آخرين.
هذه منصات من المفترض أن تكون للتعبير عن الرأي، وفي الوضع الطبيعي أنت لست بحاجة إلى من يراقبك حتى تدرك ماذا تكتب ولا تكتب، وما يجوز ولا يجوز، بل إن الإنسان الطبيعي يدرك بفطرته الإنسانية المعايير الأخلاقية التي تفرض نفسها عليه، مع المعايير القانونية المعروفة.
لقد بتنا بصراحة أمام وسائل توفر للبعض القدرة على الانزلاق نحو ما يظنه تعبيرا عن الرأي، وكأنه يمتلك مدفعية يقصف بها يمنيا ويسارا دون تمييز للكلف، فوق الاعتقاد العام، شعبيا، وعند كثيرين أنه يمكن إعادة نشر ما هو منشور عبر هذه الوسائل دون تفكير أو تدقيق في صدقية المعلومة، أو تأثيرها العام، وهذه الوسائل خلقت توهيماً بامتلاك السلطة لدى البعض، فيقولون عبرها ما لا يقوله الإعلاميون المحترفون والمستقلون أيضا في صفحاتهم أو صحفهم.
هذه ليست مشكلة أردنية، بل عالمية، والأدهى والأمر أنك كلما جالست شخصا وسألك عن قصة ما، يقول لك إن القصة صحيحة وأنه متأكد منها، والسبب أنه قرأها على فيسبوك أو تويتر، وهذا الإغراء المتمثل بظن البعض أنه لمجرد نشر القصة على هذه الوسائل تصير صحيحة، يؤدي إلى كوارث في بنية المجتمعات، مع غياب التدقيق المهني والبحث عن الدوافع والمعلومات الأصلية.
يقول وزير الاتصال الحكومي فيصل الشبول في مقابلته مع برنامج 60 دقيقة عبر التلفزيون الأردني إن هناك جهداً يبذله الأردن على مستوى جامعة الدول العربية لتنظيم التعامل مع الشركات الإعلامية العالمية، وإن هذا الجهد يستند إلى التجربة الأوروبية في هذا الخصوص، ويهدف إلى وضع آليات للرقابة على المحتوى والتصدي للثالوث الخطر أي الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية وانتهاك الخصوصية، إضافة إلى تعويض الربح الفائت على وسائل الإعلام، وأن ميزة التحرك العربي تكمن في أن المحتوى المنشور على التواصل الاجتماعي باللغة العربية مصدره الوحيد هو الدول العربية، لاسيما مع وجود 175 مليون مواطن عربي يستخدمون الانترنت، مع أهمية التمييز بين وسائل الإعلام التي تمارس النقد الموضوعي والبناء وبين وسائل التواصل الاجتماعي التي لا تخضع لقوانين، مع أهمية النقد الموجه لتصويب المسارات وتحسين الأداء.
علينا أن نلاحظ هنا أن الثالوث الذي أشار إليه الوزير خطير جدا، ويرتبط بالأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية وانتهاك الخصوصية، خصوصا، انه بات معروفا أن كل دول العالم، وأجهزتها الأمنية تستعمل هذه الوسائل لخلخلة الدول من الداخل، عبر بث الإشاعات والأكاذيب، وإذكاء الكراهية على خلفيات سياسية ودينية ورياضية وعرقية، وأحيانا على خلفيات مذهبية وجهوية ترتبط بما تظنه بعض الدول نقاط ضعف في دول ثانية من الممكن تحريكها أو استثارتها.
الخلاصة هنا تقول إن وسائل التواصل الاجتماعي مفيدة للتعبير عن وجهات النظر، مثلما هي مفيدة تجاريا للترويج لأي منتجات، لكن خطورتها تكمن في الصفحات المزيفة التي تديرها دول، ضد دول، وفي الانجراف في التعبير عن الرأي ونقل الإشاعات مثل العدوى، واستثارة بنية المجتمعات الداخلية وإضعافها، فوق أن وسائل التواصل الاجتماعي تدر ربحا بالمليارات من هذه الصفحات ولا يعود على الدول التي تنشأ منها هذه الصفحات أي عوائد مالية، قد يكون مفيدا الحصول على جزء منها، وتوظيفها لتطوير الإعلام المحترف، بدلا من تركه تحت الضربات.
لا بد أيضا من ثقافة بيتية واجتماعية ومدرسية وجامعية لتنبيه الناس، عما يتسلل عبر هذه الوسائل من اخطار، فالقصة هنا ليست تقييد الحريات، بل التنبه الى الآثار الجانبية لهذه الوسائل التي وصلت حد توظيفها في صراعات سياسية، وإسقاط أنظمة، وتثوير شعوب.
نريد لهذا الجهد أن يكتمل حتى النهاية، وأن لا نتراجع من منتصف الطريق لأي سبب كان.