بعض الدول الغربية وعلى رأسها بريطانيا تتحدث صراحة لمواطنيها بأن احتياطاتها من الطاقة لا تكفي احتياجات البلاد لأكثر من أسبوعين، وهذه دول غنية وقادرة على شراء احتياطاتها النفطية بمختلف أشكالها بكميات كبيرة، لكنها لم تتمكن من بناء منظومة من الاحتياط الآمن من الطاقة، لذلك سيكون الشتاء المقبل قاسياً عليها وعلى مواطنيها.
في الأردن الدولة الفقيرة مالياً والتي تحيط بها التحديات الاقتصادية من كل حدب وصوب استطاعت بنجاح أن تنجز منظومة متكاملة من الطاقة وأن تصل لمستويات آمنة في تلبية احتياجاتها لفترات طويلة نسبياً، وأكبر بكثير مما يتصوره البعض.
الأردن يمتلك اليوم مخزوناً مهماً من المحروقات يتراوح ما بين (3-6) شهور، وهناك قدرة تخزينية عالية تصل لأكثر من ضعف الموجود حالياً.
في الغاز، المشهد وكفاءة إجراءات التحوط التي اتخذت كان أثره المالي كبيراً على الاقتصاد لدرجة أنها كان سبباً في منع كارثة اقتصادية مالية على الخزينة في حال لجوء الحكومة لشراء احتياجاتها من الغاز عبر الأسواق الدولية بأسعار عالمية وصلت لأكثر من 300 % في الأشهر الأخيرة، فاتفاقيات الغاز التي وقعتها الحكومة مع كل من مصر ونوبل إنيرجي والتي بموجبهما حصلت المملكة على توريدات من الغاز تغطي تقريباً كامل احتياجاتهما منه بأسعار مخفضة ومثبتة لفترات زمنية تتراوح بين (15-25) عاماً.
ولنتصور حجم المشكلة المالية لو لم تكن اتفاقيات الغاز فاعلة، لكانت فاتورة الغاز على الخزينة تناهز الـ2.5 مليار دينار، وهذه كانت بحق كارثة مالية كادت أن تصيب الخزينة وتدخلها في نفق مظلم لا يمكن الخروج الاقتصادي والمالي منه بسهولة.
تقرير دولي صدر مؤخراً عن تطورات سوق وحدات إعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال إلى غاز مرة أخرى لغايات الاستخدام، وهذه الوحدات هي عبارة عن بواخر تطفو قرب الموانئ حتى تقوم بعملها، وهي نفس الباخرة التي تعاقد معها الأردن في العقبة
ويشيد التقرير بقرار الأردن الاحتفاظ بالباخرة رغم المغريات كونها هي السبيل الوحيد لبقاء الأردن قادراً على استيراد الغاز في حال توقف استيراده من أي مصدر حالي.
التقرير يلاحظ بأن السوق عليه طلب عال، وأن- تقريبا- جميع هذه البواخر (52) في العالم قد تم التعاقد معها من قبل أوروبا حيث ارتفع سعر اليومية من 100 ألف إلى 175 ألف دولار، إضافة إلى أن معظم هذه البواخر ذهبت إلى أوروبا ما عدا اثنتين واحدة في البرازيل والثانية في “الأردن”.
الأمر لم يتوقف عند الطاقة في إجراءات التحوط، بل يطال أيضاً الأمن الغذائي والسياسة التي اتبعتها الحكومة بتوجيهات ملكية مباشرة خاصة فيما يتعلق ببناء مخزون إستراتيجي من القمح يغطي احتياجات المملكة لأكثر من 17 شهراً، وبناء نموذج تخزيني ذي كفاءة عالية وبكلف مالية بسيطة مقارنة مع الصوامع الإسمنتية التقليدية.
سياسات التحوط التي اتبعها الأردن في أمن الطاقة والغذاء كانت فاعلة وتفوق موارده وتنافس أفضل وأقوى الدول الغنية، وحمت الاقتصاد والخزينة من كلف مالية تفوق قدرتها، ومع ذلك يأتي من يشكك في فاعلية هذه السياسات والإجراءات مع كل أسف.