هذا السؤال مخادع، ويقودنا لمزيد من انغماس في تداول خطاب الدولة المارقة التي تحتل فلسطين، وتقضم أرضه، وتقتل شعبها وتطرده منها، وتمارس أبشع فصل عنصري عرفه التاريخ، وتعبث في أمن العرب وتهدد المنطقة والعالم بأسره..
قبل أيام قال الرئيس الأمريكي للرئيس الإسرائيلي: « لو لم تكن اسرائيل موجودة لاخترعناها»، وهذه إشارة واضحة لأهمية الدور الإجرامي الإبداعي الذي تقوم به دولة الإحتلال المجرمة، الخارجة عن كل القوانين والأعراف، دور يتسبب بمزيد من التسهيلات لكل مستفيد من مشاكل منطقتنا، يسعى لبسط مزيد من النفوذ والسيطرة على مواردها وجغرافيتها..
ومن أخطر تجليات التضليل الذي تعتمده الدولة المحتلة، هو ما نلمسه من أثر هذا التضليل في الخطاب السياسي العربي المسالم، الذي تحول من خطاب يحض على التحرير واستعادة حقوق الشعب وحقوق العرب والمسلمين، وكبح خطر التهديد والتوسع والتمدد الاسرائيلي الى خطاب آخر، حيث يبدو أن كثيرين من العرب أصبحوا يتداولون الخطاب السياسي الإسرائيلي الداخلي، وكأن المسؤول العربي الرسمي عضو في حزب اسرائيلي معتدل، أو صحفي محايد!!.
الجميع تقريبا يتناول الانتخابات الاسرائيلية وفوز نتنياهو بأنه تقدم لما يسمونه معسكر التطرف في دولة الاحتلال، حقا إنه أمر يستحق أن نحسد المتحدث به، فكيف يمكنه التمييز بين المجرمين ويهتم بتصنيفاتهم ويقيّم أداءهم، بينما كل الإعتداءات والتحديات والتهديدات موجهة للعرب أنفسهم ولوجودهم على خارطة العالم، وكل دولة الإحتلال عصابة واحدة، اعتدت على الغير وقامت بسرقة أرضهم، ولم تذعن لقرارات دولية، وكل ممارساتها معادية للعرب وعنصرية عقائدية موجهة ضدهم تاريخا وجغرافيا وعقائد!! حقا أنا أحسد هؤلاء.
كتبت قبل سنوات؛ وبمناسبة فوز ترمب العنصري برئاسة أمريكا، وفوز نتنياهو آنذاك برئاسة حكومة دولة «اليهود» العنصرية المحتلة لفلسطين، بأن فوزهما سيكشف كثيرا من الضلالات السياسية، حيث لا مجال معهما لشراء الوقت والكذب، فهما عنصريان، يطبقان برامج سياسية لتحقيق مصالح، واضحان كل الوضوح، وقد شاهدنا كيف ضاق هامش المناورة السياسية العربية، وأصبح رئيس أمريكا يبتز دولا علنا، ونتنياهو وأمام كاميرات التلفزة العالمية، يرتكب جرائمه داخل فلسطين وخارجها، وقد تحدث العالم كله عن «صفقة القرن»، التي تدعو لحل القضية الفلسطينية على حساب العرب وحساب الأردن بالذات، وظهرت تصريحات سياسية اسرائيلية علنية، تستهدف الأردن تلك السنوات.. ولم تتراجع تلك التصريحات أو الدعاوى والنوايا، بل أصبحنا نعلم اليوم أن جزءا مهما من صفقة القرن قد تم تنفيذه بتطبيع سهل بين دولة الاحتلال وكثير من الدول العربية.. فهل الذي فعله نتنياهو المتطرف الذي لم يكن في السلطة وكانت بأيدي معسكر الاعتدال كما يسميه عربنا؟ .. كيف تتمكنون من رؤية اختلافات وفوارق حاسمة بين قادة عصابة، وتميزون بينهم وتضعون مستقبل وأمن بلداننا رهنا لتلك التحليلات السياسية، بينما لا تشاهدون الأفعال والنتائج والممارسات اليومية التي تقوم بها العصابة الارهابية المجرمة؟..
أمس الأول أعجبني قول خطيب الجمعة، حين قال بأن مكمن ضعفنا هو ابتعادنا عن ديننا وعدم غضبنا عندما تنتهك حرماته، كأرواح الناس ومقدساتهم وأراضيهم وحياتهم، بينما سبب تقدم «دولة عصابة اليهود» هو تشبثهم المصطنع بعقيدتهم العدوانية ضد المسلمين والمسيحيين.. قلت في نفسي: «الخطيب فاهم اللعبة صح، ولا يحتاج لتحليلات منسوبة لمجسات سياسية هذه المرة بعد أن كانت تنسب لمصادر ترفض الكشف عن اسمها»..!.
نحتاج في الأردن لسياسة جديدة في التعامل مع هذا الكيان العنصري الذي يستهدفنا، ويهدد مقدساتنا وهويتنا ووجودنا، ويتذاكى في طرح حلول لمشكلته ومشكلة الغرب على حساب الأردن، فالغرب الذي كان يستعمر بلداننا وقبل أن يتركها قام بزرع هذا الكيان وسلم فلسطين له، هو من يجب أن يكون في ورطة سياسيةمع دولة الاحتلال ومع تطرفها وجرائمها بحق الفلسطينيين والعرب المسلمين والمسيحيين، وورطة قانونية وأخلاقية مع العالم كله، وهو من يجب عليه إيجاد حلول.. فهو يدرك أن خطر دولة الاحتلال «اليهودي» يتمدد ويتوسع على حساب الآخرين، وكل شخص فيها هو عسكري منذ طفولته حتى يموت، ويتزود يوميا بثقافة عنصرية متطرفة معادية لكل البشرية، وتهدد كل الحضارات والأخلاق والقوانين الإنسانية، التي صاغتها وعرفتها الحضارة البشرية، وتتحداها.
لا يعنينا من ينجح او يخسر الانتخابات في دولة عصابة ارهابية، ولا من يحكم ومن يعيش في دولة إحتلال عنصرية، بل يعنينا استعادة حقوق الشعب الفلسطيني، وحماية بلدنا من أي تهديد سواء أكان سياسيا أم عسكريا أم عقائديا أم استخباريا..
يجب على وزارة خارجيتنا أولا أن تنفُض الغبار عن ملف معاهدة السلام مع هذا الكيان، والبحث عن مكان له في خطابنا السياسي الخارجي، بل وتجهيزه ووضعه على الطاولة، لأنه قد يلزمنا في الأيام المقبلة.