سميح المعايطة - تستطيع أي حكومة أن تتخذ القرارات التي تريد وان تدير ظهرها وتغلق آذانها عن كل ما يقوله الناس على قاعدة ان “كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر”، لكن إغلاق الآذان وإدارة الظهر يراكم قناعات سلبية جدا عند الناس تتحول مع الزمن إلى اشياء أخرى.
لن نذهب بعيدا في الزمن وسأتوقف عند مثال قريب الحدوث وما يزال في أحاديث الأردنيين وهو قصة أسعار الكاز التي تعرضت للرفع خلال نهاية شهر 9 وشهر 10، أي مع بداية الشتاء ومعه الديزل، وربما لا يعلم بعض اهل المسؤولية ان صوبة الكاز الحمراء اي الاقل استهلاكا تحتاج كل أربعة أيام إلى تنكة كاز حوالي 18 دينارا اي اربع دنانير ونصف يوميا، اما اذا كانت كبيرة فتستهلك ما هو اكبر.
لكن ما يقوله الناس ولا يسمعه اهل القرار ان الحكومة تتعمد التجارة بالكاز والديزل مع بداية الشتاء ولهذا رفعت السعر مرتين وربما هناك ثالثة بينما خفضت سعر لتر البنزين أول مرة تعريفة والمرة الثانية قرشا ونصف، بينما أصبحت تنكة الكاز تقترب من 18 دينارا، فإذا كانت أسعار النفط منخفضة فلماذا ينخفض البنزين ويرتفع الكاز والديزل؟!
ويتحدث الناس عن قرار حكومي في النصف الأول من العام بتثبيت اسعار مشتقات النفط ويومها حسبه الناس تضامنا معهم لكن الحكومة عادت ورفعت الأسعار اربع مرات متتالية بغض النظر عن الأسعار العالمية لتستعيد ماخسرته من أرباح عند التثبيت، وتبين ان الأمر كان قرضا أعطته الحكومة للناس ثم استردته.
قناعة الناس ان الحكومة تستثمر الشتاء لزيادة دخلها من الكاز والديزل، وانها في أشهر الصيف ترفع البنزين لأن حركة الناس فيه أكثر، فهي في كل الفصول تتاجر على الناس وتربح من البرد والحر دون مراعاة لواقع الناس المعيشي.
هذه قناعة الناس التي تترسخ لديهم مما يجري ولا يمكن لمسؤول ان يضحي بنفسه حتى وان كان هذا واجبه ليقول لهم شيئا آخر ان كان هناك شيء آخر.
يمكن في مراحل الزهق والهدوء السياسي الذي يصيب الجميع احيانا لأي حكومة ان تتخذ قرارات صعبة على الناس وايضا غير مفهومة وغير مقنعة، وان تتغافل عما يقوله الناس، لكن على اهل القرار ألا يصابوا بالدهشة في اي مرحلة يجدون أمامهم قناعات سلبية تراكمت وتفاعلت وانتجت شيئا آخر.
اذا كان هناك من يستطيع أن يقنع الأردنيين بقصة اسعار الكاز وقبله التوقيت الشتوي فليتفضل ويتحدث للأردنيين بعيدا عن عبارات الانشاء والبلاغة بل بأرقام يقرؤها الناس في الكازيات.. فهل هناك من يمكن أن يقنع الناس بمعادلة الكاز في الشتاء!
الكاز مثال على التعامل مع قناعات الناس وكلامهم ومن يبحث يجد في كل مرحلة امثلة اخرى، واذا كانت بعض الحكومات تعتمد سياسة تمرير المراحل فإن عليها ان تتذكر ان ذاكرة المواطن لا تعتمد ذات السياسة..