يمكن الحديث مطولاً عن إسرائيل ككيان استعماري عنصري إرهابي، ويمكن الاستفاضة في الحديث عن يمينية المجتمع في إسرائيل وأن التنافس في الانتخابات قائم بين أحزاب يمينية متطرفة كلها معادية للشعب الفلسطيني، كما أن عودة بنيامين نتنياهو كرئيس للوزراء متحالفا مع الأكثر تطرفا منه ينذر بأوقات عصيبة للشعب الفلسطيني، ولكن يجب الاعتراف فيما يتعلق بتدبير السياسة الداخلية وإدارة الإسرائيليين لأمور الحكم والسلطة بأن الإصرار على الرجوع للجمهور خمس مرات خلال أربعة أعوام للحسم في أمر من يحكم البلاد دون أن يفكر نتنياهو أو أي قائد سياسي أو الجيش بالانقلاب أو التشكيك بنتائج الانتخابات هو أمر إيجابي يُحسب لصالحهم
الإسرائيليين يمارسون الديمقراطية فيما بيتهم بالرغم من أنهم استعماريون عنصريون في مواجهة غيرهم، وأن يكونوا أعداء لنا فهذا لا يمنع من الاستفادة من تجربتهم فيما يتعلق بالممارسة الديمقراطية فيما بينهم وكيف يتدبرون مشاكلهم السياسية دون اللجوء للعنف أو خرق القانون، ففي الكيان الصهيوني لا أحد فوق القانون والشعب مصدر كل السلطات، هذه حقيقة حتى وإن لن تعجب كثيرين.
تعدد الجولات الانتخابية وما صاحبها من أزمات حكومية لا يعبر عن حالة فوضى سياسية أو تخبط وارباك أو كما ذهب البعض أنه مؤشر على قرب انهيار ونهاية إسرائيل، بل هو احترام الأحزاب والنخب السياسية للشعب وخياراته، أما تراجع عدد المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب العربية فتتحمل مسؤوليته هذه الأحزاب.
في عالمنا العربي يحدث عكس ذلك تماما، الأنظمة لا تحترم شعوبها ولا تؤمن بالديمقراطية والانتخابات كآلية لاختيار الحكام والمشرعين، لذا تتهرب من الانتخابات العامة بذرائع متعددة دينية وأمنية وسياسية، وان اضطرت لها لا تتورع عن التزوير وإن لم تستطع التزوير تمارس القمع والإرهاب في حق معارضيها أو يقوم الجيش بالانقلاب، والمصيبة أن كل شيء يحدث باسم الوطن والمصلحة الوطنية.
ديمقراطية الكيان الصهيوني أحد أسباب قوته وتفوقه، وورقة يستعملها لترويج نفسه عالميا بأنه الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، وإن كان ما يربط الغرب بإسرائيل مصالح مادية أو اعتبارات دينية إلا أن المجتمعات الغربية تنظر بتقدير واحترام للدول التي على شاكلتها في الممارسة الديمقراطية واحترام إرادة الشعب. أما في العالم العربي فإن غياب الديمقراطية أو تعثر تطبيقها من أهم أسباب تخلف العرب وفشل الدولة الوطنية وضعف الانتماء الوطني مما فتح المجال للتدخلات الخارجية، كما يعتبر أحد أسباب نظرة الغرب والعالم بشكل عام للعرب بعدم احترام وتقدير.
أما في الحالة الفلسطينية التي لها خصوصية من حيث غياب الدولة المستقلة وبالتالي غياب السيادة، وحيث ارتضت الأحزاب والشعب اللجوء للانتخابات في ظل الاحتلال لاختيار من يحكم في مناطق السلطة الوطنية، فإن هذا المسار (الديمقراطي) معلق منذ 16 عام ليس بسبب الاحتلال فقط بل لتضارب البرامج الحزبية وقوة تدخل الأجندة الخارجية ولأن هناك طبقة سياسية مستفيدة من الانقسام وترى في الانتخابات تهديدا لمواقعها ومصالحها.
إذا كان البعض هوِّل وبالغ في توصيف أزمة الانتخابات وتشكيل الحكومة في إسرائيل لأنها امتدت لأربع سنوات، فماذا سيقولون والمسار الديمقراطي والانتخابات في مناطق السلطة معطل منذ 16 سنة وكل حوارات واتفاقات المصالحة فاشلة[k1] ؟.
لا نروم مما سبق تمجيد التجربة الديمقراطية في الكيان الصهيوني بل أخذ دروس وعبر من تجارب شعوب أخرى حتى وإن كانت عدوة لنا، كما نؤكد على أن المشكلة مع هذا الكيان ليست في قياداته وأحزابه اليمينية المتطرفة فهذه نتاج لمجتمع بكامله تقريبا يميني وعنصري، الأمر الذي يتطلب نهجا سياسيا فلسطينيا يُحسن التعامل مع هكذا مجتمع وكيف يمكن التأثير عليه وتغيير توجهاته السياسية، لأنه في مجتمع (ديمقراطي) التغيير يحدث بداية في القاعدة ثم ينتقل للقمة.
وأخيرا، وبالرغم من وجود سوابق وشواهد تاريخية على الجمع بين الكولونيالية والعنصرية والديمقراطية كما كان الحال في بريطانيا ودول أوروبية أخرى خلال القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين حيث كانت استعمارية وعنصرية في سياستها الخارجية ولكنها كانت معقل الديمقراطية في سياستها الداخلية، إلا أن هذه الدول تراجعت عن هذه السياسات مع نهاية عصر الاستعمار المباشر والإدانة العالمية للعنصرية. المعضلة في الكيان الصهيوني أنه الدولة الاستعمارية الوحيدة في العالم كما أنه يسير ضد التيار العالمي الذي يُدين و يرفض العنصرية وممارساته ضد الفلسطينيين، كما أن الصعود الكبير لليمين الصهيوني المتطرف ينذر بمخاطر على المجتمع الإسرائيلي نفسه.
Ibrahemibrach1@gmail.com