زاد الاردن الاخباري -
تلقي أزمة الديون السيادية في كل من منطقة اليورو والولايات المتحدة الأمريكية بظلالها الكثيفة على اقتصاديات المنطقة العربية بشكل عام، وعلى الاقتصاديات الخليجية على وجه الخصوص، حيث تظهر من خلف التداعيات السلبية قصيرة المدى للأزمة آثار أخرى يتوقع أن تنعكس بشكل إيجابي على نمو اقتصاديات المنطقة العربية، وفقًا لمحللين.
فقد أشار المحلل المالي من مركز "مانشستر" البريطاني للبحوث المالية رامي عبده إلى تداعيات سلبية تعكسها أزمة الديون الأمريكية على دول الخليج العربي، عقب خفض التصنيف الائتماني للقروض الأمريكية لأول مرة منذ أكثر من 40 عاماً، تتمثل بانخفاض القيم السوقية لسندات الخزينة الأمريكية، الأمر الذي يعني انخفاض قيم الاستثمارات العربية في تلك السندات التي تمثل وعاءً استثمارياً رئيسياً لاستثمارات دول المنطقة السيادية.
وقال عبده في تصريحات خاصة لـ "قدس برس" إنّ تواصل الأزمة يعني أيضاً "توقعات بانخفاض أسعار النفط دون المستويات الحالية، والتي قد تصل إلى ما دون ستين دولاراً للبرميل، محدثة تراجعاً ملحوظاً في الإيرادات النفطية لدول المنطقة المصدّرة للنفط".
ولفت المحلل الاقتصادي النظر إلى أنه على الرغم من هذه التداعيات "قصيرة المدى"، التي يُضاف إليها الانخفاض المتوقع في سعر صرف الدولار، الذي ترتبط به عملات دول المنطقة العربية؛ "فإن المنطقة ستشهد تزاحمًا استثماريًا غير مسبوق، يمكنها من تلافي أية تداعيات للأزمة على المدى القصير، ويدفع باتجاه تنمية مستدامة نتاجًا للمناخ الاستثماري الآمن نسبيا في دول الخليج العربي".
ورأى عبده أن "حدة الأزمة الأمريكية وخفض التصنيف الائتماني للولايات المتحدة، تعني إحجام الصناديق السيادية العربية عن الاستثمار في الخارج وتوجيهها داخليا، إضافة إلى توجه انظار المستثمرين حول العالم إلى الاستثمار في أسواق المنطقة التي سينظر لها "أكثر أمناً" و"وأكثر استقرارًا".
يشار إلى أن تقرير البنك الدولي للعام المنصرم صنف المنطقة العربية كـ "أقل المناطق جذبًا للاسثمار الأجنبي المباشر، حيث تحظى المنطقة بأقل من خمسة في المائة من الاستثمار الأجنبي المباشر حول العالم".
من ناحية أخرى؛ تعتبر دول الخليج العربي أحد أهم مصادر الاستثمار الخارجي حول العالم، فقد أشار تقرير صادر عن منظمة الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الاونكتاد) إلى أن نحو 90 في المائة من الاستثمارات الأجنبية المباشرة من دول غرب آسيا تأتي من دول الخليج العربي.
وعليه؛ يرى المحلل المالي من مركز "مانشستر" للبحوث المالية أن "الاقتصادات الخليجية أدركت أن المعادلة ستتغير، وقامت قطر على سبيل المثال، ولتحقيق مكاسب أكبر، بخفض العوائد على سنداتها، حسب معلومات شركة "بلومبرج"، إلى مستوى 3.6 بالمائة بعد أن كانت قبل تلك الأزمة تحلق في مستوى 5.5 بالمائة، متوقعة تصاعداً واقبالاً متزايداً على سنداتها".
وفي السياق ذاته؛ يقول عبده بأن الأزمة تدفع باتجاه تغيير معادلة الاستثمار الخليجية، ليس فقط على مستوى الاستثمار السيادي، بل على مستوى الاستثمار العربي بشكل عام، حيث يتوقع أن يحجم المستثمرون الخليجيون عن التوجه للاستثمار في الخارج، لا سيما في الأسواق الأمريكية، ومن ثم توجيه استثماراتهم داخليًا حيث بيئة استثمارية أكثر أمناً نسبيًا.
ويتابع: "على الرغم من انخفاض الايرادات النفطية المتوقع، تشير التقديرات إلى أن تساهم ثورات الربيع العربي في دفع حكومات المنطقة إلى ضخّ حصّة أكبر من الأموال والايرادات النفطية في الأسواق المحلية، في محاولة منها لامتصاص مخاوف الشارع ومطالبه بالاصلاح الاقتصادي".
وقال عبده "تسهم كل هذه العوامل، على المدى المتوسط والبعيد، في إحداث تنمية اقتصادية داخلية، ستشهدها الأسواق الخليجية والعربية عموماً في الأشهر القادمة، فيما يمكن أن يوصف بأنه ربيع اقتصادي عربي".
يُذكر أن الديون الأمريكية بلغت حتى اليوم أكثر من 14.3 تريليون دولار، تشكل مستحقات على الحكومة الأمريكية لصالح عدد من الدائنين على رأسهم الصين، وبنوكٍ أمريكية وأوروبية، على شكل سنداتٍ تمويلية يقدّمها الدائنون من أجل أن تتمكن الدولة المدينة من إيجاد السيولة اللازمة لانفاذ مشاريعها الاستثمارية وخططها الحكومية المختلفة.
وتتعدد مصادر التمويل للدول، من بين أصول (رأس مال)، أو قروض بنكية، أو سندات، والأخيرة هي ما اعتمدت عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية من أجل تمويل ميزانيتها الحكومية.