نظريات كثيرة تعاطت مع الحالة التربوية، منها ما اعتنت بالفرد وبرغباته وقدراته ومراعاة وضعه المادي والاجتماعي والنفسي، وهي عوامل كلها تؤدي إلى الانتقاء والاصطفاء بين الأفراد بالإستناد لمعايير رقمية جافة تدعى أحيانا بالتحصيل، أو المعدل أو العلامة، وأجريت آلاف الدراسات التي حاولت ربط التحصيل بالذكاء لكي تمنح التحصيل درجات من الثقة والرصانة والمصداقية بأنه يعبّر عن حقيقة كفايات وإمكانات الفرد.
فيما جاءت نظريات رافعة شعار التعليم للجميع، أعلت من أولويات وقيم المجتمع ومتطلباته، فلم تعط بالاً كبيراً للمعدلات والتحصيل الفردي، بقدر ما اعتنت بمسارات تستطيع أن تعبئها بالأعداد الكافية من الطلبة الذين سيتم تزويدهم بالمهارات والمتطلبات اللازمة للسير في تلك المسارات.
أما الاتجاه الثالث، فهو الاتجاه المتوازن القائم على تكافؤ الفرص التعليمية، من خلال منح الطلبة أنواعاً من المساعدات والمكملات التعليمية التي تعزز المساواة بينهم في الفرصة التعليمية، وهذه المساعدات تكون إما في البداية أي أنها توفر المساواة في الانطلاق نحو التعلّم، والتي تقاس بنسب الالتحاق والاستبقاء للطلبة.
فيما اتجاه يدعم ويعزز المساواة أثناء الفعل التربوي من حيث توفير التعويضات والمدعمات والتجهيزات الملائمة كي يحظى الطالب بنفس الفرصة التعليمية أثناء سيرها.
فيما نادى اتجاه بأن تكون قضية تكافؤ الفرص في المساواة عند الوصول أي عند نهاية التعليم. ويبررون حجتهم بأن كل المدعمات والمعززات عند البداية أو أثناء التدريس لا قيمة لها إن لم تتحقق المساواة في الوصول لنهاية التعليم.
في كل تلك النظريات والمدارس نفترض حسن النوايا لدى القائمين عليها، بالسعي لتحسين الأداء والتحقق من حدوث التعلّم، والتيقن من أن التقييم كان في محلّه. فهي تعمل على تزويد الطالب بالمعرفة والمهارة والاتجاه، وهي المحاور أو الغايات التعليمية لكل فعل تعليمي.
إن قيم المدرسة الليبرالية المتوحشة التي تقوم على الفرز والإقصاء تشتبك في خصومة واضحة مع التعليم التضامني التعاوني القائم على حق الجميع بالتعليم في الانطلاق والعملية وفي الوصول.
إن فكرة مجتمعات الجدارة تتهاوى في ظل معادلات العولمة والتكنولوجيا الرقمية، التي هدمت تلك المسلمات من قبيل أن الأعلى تحصيلاً ودرجات أكاديمية، هو الأكثر جدارةً وهو بالتالي الأرفع مكانةً والأعلى دخلاً، وشاهدنا كيف أن الأعلى تحصيلاً أصبح الأقل حصولاً على فرصة.