حسن محمد الزبن - بما أن العالم يتجه إلى الصناعة الرقمية، التي تعطي مؤشرا واضحا للقفزة الصناعية، وعلامة واضحة في طريق النهضة، وتقدم معايير الأداء، وضمانة أكيدة لتحقيق مكاسب وأرباح أعلى في زمن قياسي، وتخفيض في كلف الإنتاج، ونمو أعلى في الإيرادات، وتنوعا أمثل في الإنتاج الصناعي، فإن تأسيس مثل هذه المدينة الصناعية الرقمية في الأردن، يُعد من أفضل الأفكار الذي يمكن أن تتجه لها الدولة، لتضع الأردن على خارطة الاقتصاد العالمي، واستجابة حثيثة للتحديث الاقتصادي الذي تم إطلاقه مؤخرا، والفكرة تبدأ باختيار موقع المدينة الصناعية الرقمية، وتأسيس كامل للبنية التحتية من خدمات الماء والكهرباء وخدمات شبكات النت، والأرتقاء بمستوي البنية التحتية للشبكات لضرورة توفر تقنيات التحليل للمنشآت القائمة بدقة عالية وتتوافق مع قدرات وطاقة المدينة الصناعية وتخدم بياناتها وإمكاناتها الضخمة، وتخطيط شوارع تؤسس على أرض الواقع، معززة بكافة الخدمات اللوجستية التي تخدم المدينة الصناعية، وتقديم التسهيلات المطلقة للاستثمار المحلي وجذب الاستثمار الخارجي، وتفعيل قانون الحماية الفكرية الداعم القانوني للجانب الاقتصادي والصناعي، ويُشكل من الدولة مجلسا اقتصاديا خاصا لإدارتها يضم خبراء في الاقتصاد والصناعة ورسم السياسات الاقتصادية، ومتخصصون في النافذة الاستثمارية ملمين في التشريعات والقوانين الناظمة للاستثمار في الأردن، يتم اختيارهم بعناية، يتضمن هذا المجلس خبراء وأشخاص مشهود لهم بالكفاءة من وزارة التخطيط، والاقتصاد الرقمي، وأمانة عمان الكبرى، والمجالس المحلية، وشركة المدن الصناعية، ومندوبين من الجيش العربي والأمن العام، وأي جهة لها علاقة بخدمات المدينة الصناعية، لتكون الجهات متعددة، وأن لا ينحصر قرار قبول الاستثمار لأي مستثمر أو مستفيد بقرار من شخص أو جهة بعينها، وأن لا توضع العصا في الدولاب امام المستثمرين وتعجيزهم بإجراءات وبيروقراطية المعاملات، لأنه المطلوب في المرحلة التي نعيشها أن نسعى للمستثمرين بإقناعهم بالتسهيلات التي ستقدم لهم، وأنها ليس حبرا على ورق، بل هي في عقل الواجهة الاستثمارية للدولة، تنفيذا وعملا، وأن توفير الأمان الاقتصادي لمشروعاتهم أولوية وحق من حقوقهم المكتسبة لقبولهم الاستثمار داخل الأردن، ونحتاج أيضا لدعم الفكرة اختيار طاقم إعلامي وإعلاني قادر على ترويج فكرة المدينة الرقمية بأسلوب مثال، ورقي عال في الطرح ومدروس، بعد اطلاعه من خلال دورة متخصصة على الأفكار والطموحات الجاذبة للاستثمار، لتسويق المشروع للمستثمر وصاحب رأس المال المحلي، ومن يرغب بنقل نشاطه وخطوط إنتاجه للمدينة الرقمية، وكذلك للمستثمر غير الأردني من الدول العربية، أو أي مستثمر أجنبي، المهم أن تأخذ الفكرة اهتماما واستجابة وإيمانا بتطبيقها، وهي لن تكلف الدولة إلا في بدايات التأسيس للمدينة، وما يصرف هو في النهاية، سيكون عوائد على خزينة الدولة مستقبلا، من المشروعات القائمة على أرض المدينة الصناعية الرقمية، أما مباني وهياكل الإنتاج وخطوطها سيتكفل بها أصحاب رؤوس الأموال المستثمرة في المدينة، ويمكن عمل مواصفات عامة لطبيعة هذه المباني بحيث تكون موحدة وتعطي انطباعا عن رقيها، يلتزم بها كل من يوافق على الاستثمار في المدينة الرقمية.
من خلال المدينة الصناعية الرقمية، نقدم نموذجا أردنيا يتصدر العالمية كمدينة صناعية رقمية، يمثل نموذجها مكسبا وثقة بالسوق الأردني، ويعطي دفعة قوية لعجلة الاقتصاد في التطور في مجال التصدير من مختلف المنتجات الأردنية، وبالذات إذا ركزنا على قطاع الأدوية، وقطاع الغذاء، وقطاع المنتجات الزراعية، وقطاع تصنيع الأنابيب والكابلات، وقطاع الأثاث، وقطاع الهندسة والإنشاءات.
الأمر ليس صعبا، إذا طبقت معايير التصنيع الذكي، ودعمت بمراقبة الجودة بأعلى معايير القياس العالمية، وتوفير استخدام التقنيات السحابية، وخطوط الإنتاج التكنولوجية الحديثة، والمباشرة بتطبيق تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد، وإنشاء سلاسل التوريد بعناية من خلال اعتماد الهوية الرقمية وتفرعاتها للمدينة الصناعية الرقمية، وضرورة التأسيس لمبادرات البيانات المفتوحة بما تسمح مشاركة البيانات غير السرية بين الهيئات الحكومية في الدولة وأصحاب المشروعات الكبيرة داخل المدينة ، لتتوافق مع سرعة وتدفق البيانات الداخلية مع البيانات الخارجية ، لخدمة مجال الدمج للبيانات لاكتساب قيمة حقيقية من تحليل البيانات في ظل قوانين تحكم العلاقة نحو بناء الثقة الرقمية، لأجل استخدامها في اتخاذ القرارات الصائبة وتخدم التطور والمنافسة عالميا بالمنتج الأردني.
الأهم في موضوعنا ليس استيراد التكنولوجيا المتطورة التي تواكب الثورة الرقمية بقدر بناء مسبق وإحداث تحول لدى الموظفين والعاملين للعمل والإنتاج، وتغيير الثقافة السائدة التي تشكل عبئا على النهضة والتقدم والريادة.
المنظومة الرقمية كبيرة ومذهلة ومتعددة، وتشمل منصات تلائم كل الاستثمارات المتنوعة بأفكارها وطموحاتها المستقبلية، ولا حدود لها، لكن المهم أن يتم اختيار المنصة التي تناسب الثقافة الداخلية للمنشأة حتى لا تفشل، أو لا تحقق الغاية التي تسعى لأجلها، وأن لايتم القفز على منصات أعلى من الإمكانات المتاحة، وتكون محكومة بقدرات الموظفين والعاملين، ويفترض على الإدارات الصناعية موائمة كوادرها مع النظام المعمول في المنصات الأكثر تقدما، وتجتمع فيها ميزات أعلى لتحقيق مؤشر أعلى في الإنتاج وتحقيق الأرباح، فالأساس في النجاح مرهون بالمهارات والمعرفة الرقمية، وتوفر خبراء في علم البيانات، ومصممي واجهات للمستخدمين، ومديري الابتكار الرقمي، وقدرة كاملة على إدارة إنترنت الأشياء لعمليات المتابعة والرقابة والضبط لكافة أجهزة المنشأة الصناعية لتحقيق توافق كامل ودقيق في أدائها بما يخدم منظومة العمل من الألف إلى الياء.
المدينة الصناعية الرقمية ستخدم أجيال الخريجين من الجامعات الاردنية، وستستوعب عدد لا بأس به يخفف من البطالة التي يعيشها جيل الشباب، وستكون إثراء للدخل الوطني، وجانب مهم في التخفيف من المديونية.
المهم ان نبدأ، وأن نفكر، وأن نطلق لطاقات الجيل الرقمي التمكين في أن يقود عجلة الاقتصاد، ومشوار الألف ميل يبدأ بخطوة جادة، وإرادة وعزم على التغيير للأفضل.
حمى الله الأردن،