بقلم الدكتور المهندس أحمد الحسبان - كل شيء في هذا الكون، وبكل تفاصيله، يسير ضمن معادلات موزونة، متساوية الطرفين، اذا اختل أحد طرفي ميزانها اختلت، وهذا من بديع صنع الله الخالق وسننه الثابتة في الكون. الماء مثلا يتكون من ذرتي هيدروجين وواحدة من الاوكسجين، لا يمكن احداث تغيير في معادلته يتيح انتاج الماء. والهواء له نسبه الثابتة من الغازات، لا يمكن استنشاقه اذا تغيرت احداهن. و(الشمس والقمر بحسبان)، اي بحساب دقيق، (لا الشمس ينبغي لها ان تدرك القمر، ولا الليل سابق النهار، وكل في فلك يسبحون) - بدقة وسرعة محسوبتين، (وكلّ شيء عنده بمقدار)، (إنا كلّ شيء خلقناه بقدر). فما مقصد هذا الطرح المعروف؟
مقصد القول؛ يتعدى هذا المفهوم لمعادلات الكون المتزنة الى ابعد من ذلك، فالانسان ذاته مشمول بها ايضا، كما انها وجدت أصلا لسهولة معيشته في الارض، وحتى يكون هو من ضمن معادلة الكون الكبرى، كانت أعمال حياته تخضع لتلك المعادلات الثابتة ايضا، فلو ترك لهواه ورغباته لأفسد مالا يمكن اصلاحه بعد افساده، لذا وجد ميزان الخير والشر، ولكن الحساب عليهما مؤجلٌ لما بعد الموت وبميزان دقيق كذلك، لتكتمل اطراف المعادلة الكبرى في الدنيا والآخرة، لا شيء يسير عبثاً بالنهاية، (والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خَفّت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون).
وللوصول لذاك المقصد، يحاول الانسان الصالح ضبط اطراف معادلته في الحياة ليتمكن من الوصول لحالة الاتزان بين الخير والشر، فكلاهما مخلوق ومستخدم، فيحاول زيادة عوامل الخير في ذاته وتقليل عوامل الشر ودوافعه فيها ما امكنه ذلك، بعكس الانسان الشرير، الذي يميل للحد الاعلى من الفوضى وللحد الادنى من النظام والانضباط، ظاناً انه خارج طرفي المعادلة الكبرى يفعل ما يحلو له دون حساب، ويمضي العمر لكليهما كل حسب ما اعتاد عليه وانتظم، وحسب هداية الله له. وقد يتسطح منحنى المعادلة الشريرة - عند لحظات هداية، فينقلب للضد لتحقيق توازن ايجابي متأخر، فكم من ملحد استقام بعد عوج وانكار، وهنا تكمن الصعوبة في المعادلة البشرية، فهي تكمن بالمحافظة على ثبات نقطة الاتزان الايجابية ان وجدت، وعدم التحول عنها في لحظات طيش أعمى او ضعف شهواني الى سحيق وديان الانا السفلى.
خلاصة القول؛ المعادلات الصعبة في حياة البشر هي تلك التي لا يمكن التحكم بديناميكيتها الا بجهد جهيد، هي تلك المنظومة من التصرفات المختلطة بشكل متسارع التي ينتج عنها حماقات بشرية الصنع شُبه لأصحابها انها افعال خير وحق، لكن اريد بها باطل. هي ذلك التأرجح غير المنطقي ولا المبرر على شفا جرف منهار من الشهوات بنكهة الورع المزيف، هي تلك الاكاذيب الداخلية على النفس والغير بقول مالا يفعل، وفعل ما لم يقال، هي تلك المقاييس مزدوجة المعايير بين الظاهر والمخفي، هي باختصار معادلات العمر الضائعة بين المظلومين والظالمين، وكلاهما يدعي العدل المفقود. هي التي لم يستطع اينشتاين تفسيرها بالمطلق ولا بالنسبية، ومات نيوتن ولم يضبط ايقاعها بقوانينه الثلاث؛ لا تجبرها ردة فعل مساوية بالمقدار ومعاكسة بالاتجاه، ولا تجاذب خير بين كتلها المتقاربة ظاهرا المتباعدة جوهرا، ولا قوة تزيد تسارع اجسامها المتثاقلة للارض تقاعساً وكسلاً، تبقى ساكنة في عقول بعض البشر لا تحركها اية قوة منطق ولا تغير اتجاهها - مهما قيل لهم او تم افهامهم مضامينها. المعادلات الصعبة لا يمكن ان تستقر مخرجاتها عند نقطة اتزان ثابتة في زمن الاوهام والعشوائية هذا طالما انها لم تتزن في دواخل النفس البشرية - لتكون المطمئنة الراضية المرضية.
مقالات - الاوهام تقتل.
الدكتور المهندس أحمد الحسبان