سلامة الدرعاوي - أجزم أن حزمة التسهيلات والحوافز التي قدمت للمستثمرين في مدينة الطفيلة الصناعية أنها أفضل ما قدم لأي مستثمر في المملكة، فلأول مرة وبشكل واضح تحدد الحوافز بشكل مترابط ما بين التشغيل والتنمية والتطوير.
حوافز تتعلق بالتشغيل والتدريب والطاقة وأسعار الأراضي والنقل مُنحت لأي مستثمر يؤسس لأي استثمار في مدينة الطفيلة الصناعية، وهي باختصار دعم بأسعار الكهرباء يصل لـ75 % من قيمة التعرفة، مع دعم لكلف المناولة في ميناء الحاويات، وأسعار مخفضة جداً لبيع الأراضي مع حوافز ضريبية، وشمول العاملين في الاستثمارات ببرامج الفروع الاستثمارية التي تضمن دفع الحكومة لجزء من الرواتب تصل لـ50 % من إجمالي الراتب.
هذه الحوافز دفعت بـ17 مستثمراً صناعياً للانتقال للمنطقة الصناعية بالطفيلة لتأسيس وتوسعة استثماراتهم والاستفادة من الحوافز الاستثنائية التي منحتها الحكومة لهم.
هذه الحوافز وبهذا الشكل تقودنا للحديث عن تنمية المحافظات التي تعرضت إلى نكسات عديدة خلال السنوات الماضية، والتي أنفقت الحكومة مئات الملايين من الدنانير ضمن برامج تنموية مختلفة لكنها للأسف كانت نتائج سلبية ولم ترتق إلى الأهداف التي وضعت من أجلها.
برامج تنمية المحافظات كانت كثيرة وبعضها أصابتها انتكاسات عديدة، والبعض الآخر أحاطت به شبهات الفساد، وكل هذا كان بسبب الإدارة الفاشلة من قبل الجهات الرسمية لملف تنمية المحافظات مما تسبب في هدر حقيقي لموارد الدولة سواء الداخلية أو الخارجية التي حصلت عليها الخزينة من المانحين.
المشكلة الرئيسية في برامج تنمية المحافظات التي أعدتها ونفذتها كل الحكومات السابقة أنها لم تكن تعمل بمؤسسية، تحافظ على وتيرة ثابتة في العمل والإنجاز.
للأسف، تنمية المحافظات كانت تخضع لحالة الخزينة وتطورات العجز المالي، فإذا كان العجز مستقراً ضمن الحدود المقدرة في الموازنة، يبدأ العمل بتخصيص موارد لتنمية المحافظات، وفي حال تنامي العجز كما يحصل في كل عام، فإن الحكومة تلجأ إلى قرار سريع لسد العجز المتنامي متعلق بتنفيذ المشاريع الرأسمالية في المحافظات، حيث سرعان ما يتم إعادة تبويب ومناقلات تلك المشاريع لأبواب اتفاقية أخرى، حتى يتسنى للخزينة توفير الأموال التي كانت من المفترض أن تذهب للمحافظات، وبالتالي تتوفر أموال جديدة للخزينة.
المشكلة الرئيسة في كافة برامج تنمية المحافظات السابقة أنها تنفذ بشكل منعزل عن أي خطة اقتصادية وطنية، وكأن المحافظات جزر معزولة عن العاصمة، وينظر لها نظرة اقتصادية دونية، رغم أن كافة التوجيهات الملكية لكل الحكومات بلا استثناء كانت تؤكد على الدوام بضرورة النهوض التنموي بالمحافظات وتحقيق إنجاز ملموس يتلمس آثاره المواطن.
غياب العملية المؤسسية للتنمية لم يقتصر على التنفيذ، بل أيضاً على التدريب والتأهيل لأبناء المحافظات للانخراط في أعمال غير تقليدية لهم، فالغياب شبه التام لمنظومة التأهيل الفني والحرفي والمهني في المحافظات دفعت للعديد من المستثمرين للإحجام عن الاستثمار أو حتى الانسحاب من أي شكل استثماري كان موجوداً في المحافظة، ومدينة معان الصناعية أكبر دليل على ذلك.
تنمية المحافظات بأمس الحاجة لمنظومة متكاملة من الحوافز والتسهيلات المربوطة بنظام شامل لتأهيل وتدريب شباب المحافظات على الانخراط في سوق العمل والخروج من الدائرة التقليدية التي تدور في أذهان الكثير منهم حول الأعمال، وهذا لا يكون إلا من خلال إطار مؤسسي قادر على التعاطي في استمرارية مع قضايا التشغيل والتنمية في المحافظات.