يعتبر الذهب أحد أهم ثلاث مرتكزات من الأصول الأكثر تأثيراً في الأسواق المالية وجذباً للمستثمرين في الوقت الحالي وهذه الأقطاب هي: الذهب والنفط والدولار , يرتبط الذهب بشكل عام بعلاقة عكسية مع الدولار (إذا إرتفع سعر الدولار إنخفض سعر الذهب ) ويرتبط الذهب بعلاقة طردية مع النفط (إذا إرتفع سعر النفط إرتفع سعر الذهب), وهاتان القاعدتان لا تنطبقان أحياناً في ظل متغيرات سياسية وإقتصادية عالمية تؤثر عليها.
تبلغ إحتياطات البنوك المركزية في العالم من الذهب 1.35571 طن , حيث جاءت الولايات المتحدة في المرتبة الأولى عالمياً بإحتياطيات بلغت 8133.5 طن , تليها ألمانيا 3359.1 طن , ثم إيطاليا 2451.8 طن, والطلب يزداد على الذهب سنوياً للبنوك المركزية العالمية في ظل الظروف الحالية, حيث تحتفظ به هذه البنوك كمستودع للقيمة كتحوط من حرب عملات على خلفية حروب لأن كل الأطراف تتعامل به كمدفوعات محايد, وضمان لتخليص الوعود للدفع للمودعين وحاملي الأوراق المالية أو أقرانهم التجاريين .
لقد إستخدمت دول العالم في المعاملات التجارية بينها معيار العملات المعدنية من الذهب والفضة والبرونز بحيث تحمل هذه العملات قيمتها الحقيقية, أو الورقية بحيث يؤمن غطاء لها من الذهب حسب قيمتها كل ذلك كان قبل نظام "بريتون وودز" عام 1944, وعندما فرض نظام "بريتون وودز" هيمن الدولار الأمريكي الذهبي على إحتياطات البنوك المركزية العالمية, والذي فرض على كل دولة عضو فيه أن تحدد قيمة تبادل عملتها الوطنية بالنسبة للذهب أو بدولار الولايات المتحدة على أساس الوزن والعيار ( 1 دولار =0.88671 غرام من الذهب الصافي), أي أصبحت الأونصة تساوي 35 دولار مع السماح بقيمة لهامش في الصرف , وأصبح الدولار العملة الرئيسية الإحتياطية للبنوك المركزية بنسبة وصلت إلى 59% من باقي العملات العالمية.
في عام 1971 وبالتحديد 15 آب أعلن الرئيس الأمريكي نيكسون وقف تبديل الدولار إلى ذهب وتم تعديل نظام "بريتون وودز" مع ظهور إقتصادات أوروبا واليابان مما أدى إلى إلغاء آلية ثبات سعر صرف العملات عملياً وبدأت مرحلة التعويم, وتضمن ذلك تعامل دول أوبك النفطية بالدولار لغاية تاريخنا هذا.
من خلال سرد تاريخ الذهب وعلاقته بالإحتياطات للبنوك المركزية لغاية الآن , ومع دخول العالم بضبابية كثيفة تجاه مستقبل العالم الإقتصادي وخصوصاً بعد جائحة كورونا ودخول الحرب الروسية الأوكرانية شهرها العاشر والتضخم العالمي الغير مسيطر عليه وشبح الركود في العام القادم وغير ذلك , سيجعل العالم يتجه إلى الذهب كملاذ آمن وخصوصاً لإحتياطيات البنوك المركزية وذلك إذا تغير المشهد الإقتصادي العالمي في العام القادم 2023 بالمعطيات التالية التي ستدفع بإرتفاع الذهب بشكل ملموس وهي:
1) ظهور قطب آخر وهو قطب تحالف البريكس الإقتصادي ومنظمة شنغهاي للتعاون وزيادة عدد الدول التي ستنظم لهم مستقبلاً, وخصوصاً النفطية منها وقيامهم بصك عملة جديدة منافسة للدولار أو بيع النفط بعملات أخرى غير الدولار , سيجعل منه في هذه الحالة عملة أقل إحتياطاً عالمياً , فمن الممكن أن ينخفض الإحتياطي العالمي للدولار ليصل إلى دون 40% وهذا يؤدي إلى إنخفاض في سعره والتخلص منه تدريجياً ومزيداً من شراء الذهب , لتتمكن دول القطب الجديد من شراء العملة الجديدة أو شراء العملات الأخرى البديلة في التعاملات النفطية والمبادلات التجارية بينها.
2) في حالة فشل الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على التضخم والزيادة في رفع أسعار الفائدة على الدولار أكثر من 4% في العام القادم , سيدخِل العالم إلى ركود تضخمي وكساد يؤدي إلى مزيد من التعقيدات الإقتصادية العالمية مما يؤدي إلى إرتفاع أسعار الذهب لزيادة الطلب عليه كملاذاً آمناً.
3) عدم قدرة دول العالم على سداد ديونها ومن ضمنها الولايات المتحدة, والذي بلغ دينها هذا العام 31.8 ترليون دولار , أو قيام دول مثل الصين ببيع أذونات وسندات الخزانة الأمريكية لديها دفعة واحدة, مما يؤدي إلى الإنخفاض المفاجىء بقيمة الدولار ويدفع العالم إلى حيازة الذهب.
4) دخول الحرب الروسية – الأوكرانية بتعقيدات جديدة يؤدي إلى توسع رقعة الحرب لتشمل دولاً أخرى مثل حلف الناتو ودول آسيوية أخرى, سيؤدي إلى الطلب على الذهب كملاذاً آمناً لعدم توقع نتائج الحرب.
مما سبق يجب على الدول أن تتوقع جميع الإحتمالات للفترة المقبلة لضمان عدم تأثر إقتصادها ونشاطاتها التجارية المحلية والخارجية ضمن توازن وسياسات نقدية وتحوطات مستقبلية آمنة.
المهندس مهند عباس حدادين
الخبير الإقتصادي والسياسي والتكنولوجي.
mhaddadin@jobkins.com