اتوقف اليوم, عند مسألة تقلقني منذ مساء الاربعاء الماضي, عندما تلقيت نبأ توقيف الزميل موفق محادين, ومعه سفيان التل الناشط والخبير البيئي المعروف. على خلفية تصريحات لهما بثت في فضائية محلية واخرى عربية.
على مدى الاسبوعين الماضيين, كانت قضية محادين مطروحة في مواقع رسمية على خلفية تصريحاته »للجزيرة« وكانت هناك محاولات لسحب تأثيراتها على »العرب اليوم«, لان المحادين كاتب يومي فيها, وكنت قد اوضحت في مقالة لي بعنوان »تصريحات الكاتب وموقف الصحيفة« اوضحت فيها مواقف كل من الجريدة والكاتب عندما يدلي برأيه خارج زاويته, وحاولت باستمرار ان اوضح بان الاراء والافكار يُرد عليها بالسلاح نفسه »بالآراء المضادة والافكار المقابلة«. وهو ما حدث بالفعل, فالمتقاعدون العسكريون الذين رفعوا قضية على محادين والتل, كانوا قد عقدوا اجتماعاً موسعاً لهم في وادي السير, واصدروا بيانا ضدهما نشر في الصحف ووسائل الاعلام.
كما انه من حق اي جهة ان تلجأ الى القضاء في مسائل الاعلام والصحافة, لكن من دون توقيف وسجن قبل المحاكمة وفق قانون المطبوعات الذي اختير كمرجعية لجميع قضايا الرأي والتعبير, فدور القضاء مهم وكبير في قضايا الصحافة عند البحث عن الحقيقة ومن اجل تحقيق العدالة, لكن للعدالة دائماً وجه وحيد آخر, وهو الدفاع عن الحرية.
وكصحافي, اشعر بان هذه القضية اعادت مكاسب الحريات الصحافية وحرية الرأي والرأي الآخر الى المربع الاول لسببين: انها تزيل قناعات بدأت تتكرس في الوسط الاعلامي, بان حرية الصحافة والصحافي اصبحت في امان بعد تأكيدات الملك المستمرة للحكومات المتعاقبة بعدم توقيف الصحافي وسجنه, خاصة قبل المحاكمة, وموفق محادين كاتب رئيسي في الصحافة الاردنية.
والسبب الآخر: ان ما حصل يزيل القناعة ايضا بأن القضاء المدني ومحكمة البداية وقانون المطبوعات هي مظلة الحريات الصحافية, ومظلة حماية المواطنين من التجاوزات على المجتمع.
لكن, امام هذه التطورات السلبية لا زلت احمل تفاؤلاً كبيراً بان الحريات العامة, خاصة حرية الكاتب والصحافي وصوت الرأي الآخر ستتقدم ولن تتراجع في بلدنا, ومصدر هذا التفاؤل ما اكدته التجارب, بان ضمانتنا, كصحافيين وصحف هو الملك, الذي يحسم دائماً الموقف كلما اعترضت الحواجز طريق حرية التعبير عن الرأي بانحياز جلالته المستمر الى جانب حرية الصحافة وتشدده وتشديده على ضرورة وضع حد لحبس الصحافيين والكتاب واصحاب الرأي الآخر خاصة قبل المحاكمة وان يَمثُل الصحافي وفق قانون المطبوعات, امام محكمة مدنية.
من جانب آخر, تواجه حكومة الرفاعي اختباراً حاسماً في صدق توجهاتها حول ضمان استمرار حرية الاعلام, لقد ارسلت الحكومة من خلال رئيس وزرائها اكثر من رسالة بانها مع هذه الحرية والى جانبها. بما في ذلك حرية الرأي الآخر »تصريحات الرئيس امام رؤساء التحرير وخلال زيارته للتلفزيون« لكن واقعة اعتقال محادين والتل تمس مصداقية الحكومة, حتى وان كانت القضية ليست بفعل قرار حكومي انما حركتها جهات اخرى.
لا اجد ما يقنعني او غيري, بأن سجن كاتب وناشط قبل المحاكمة لن يؤثر سلبا وبدرجة كبيرة على شعبية الحكومة, ولا تُضْعِف هذه الحقيقة تصريحات وزير الاعلام بانها »قضية جنائية« فالرأي العام لا ينظر اليها كذلك. وهو ما يلخصه تساؤل احد المواطنين عندما قال »شو مالهم على الصحافة والصحافيين«!!
بالنهاية الحكومة هي اولاً واخيراً المسؤول عن خلق المناخات الداخلية المريحة, البعيدة عن التشدد والتشنج, فهي صاحبة الولاية العامة, والقادرة على ان تجعل الربيع ربيعاً, او ان تمّد من ايام »سعد الذابح« الباردة حتى نهاية ايار المقبل.
اطالب بالحرية لموفق محادين وسفيان التل, وبحقهما المقدس بهذه الحرية وخاصة قبل المحاكمة وحتى صدور الحكم القضائي ان كانت هناك محاكمة, لان »قضايا الرأي« ليست قضايا »جنائية« بكل الاحوال.0