مكرم أحمد الطراونة - لم يسلم رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة من النقد الشديد منذ مساء يوم الجمعة، إثر مقابلة أجراها مع التلفزيون الأردني، وتصريحات أدلى بها في مجلس النواب. رواد مواقع التواصل الاجتماعي شنوا هجوما شرسا على شخص الرئيس، ولم يتركوا موضعا في جسده إلا وغرسوا فيه سهامهم.
للأسف الشديد، كثير من الناس اختلفوا اليوم؛ ثقافيا وسلوكيا، ولا أريد أن أناقش ذلك في هذا المقال نظرا للمعادلة المعقدة التي باتت تحكم علاقة المواطن بمؤسسات الدولة من جانب، وطبيعة الأردني الذي تغيرت ردود أفعاله، فأصبحت سريعة دون تدبر، ويلجأ دائما إلى إطلاق الأحكام بسرعة كبيرة ودون تمهل.
ما أرغب في البحث فيه هو الشفافية التي يتحدث بها رئيس الوزراء، وهي أمر في منتهى الأهمية، باعتبار أن كل من هو موجود في هذه الدولة هو شريك في صناعتها ومن حقه أن يطلع على وضع البلد من جميع النواحي، ليكون مدركا لحجم التحديات التي تواجهنا، وسبل التعاون لتجاوزها. لكن في كثير من الأحيان تكون هذه الشفافية نقمة على صاحبها، حتى لو جاء تقديمها بطريقة فيها ما يكفي من الحكمة.
نعود لنقول إن الخطاب الإعلامي للدولة من أهم الأدوات التي قد تجعل من المواطن شريكا، أو شخصا ناقما، وفي كلتا المناسبتين لم يكن هذا الخطاب مناسبا، لا من حيث التوقيت، ولا من حيث طريقة الطرح، رغم أن مضمونه طبيعي جدا، فلا يعيب الرئيس أنه كان رياضيا ويلعب كرة القدم، كما لا يعيبه أن يؤكد أن الدولة لا تملك ترف مواصلة تقديم الدعم!
إذا، أين أخطأ الرئيس طالما أن ما تحدث به أمر طبيعي وحقيقي؟
عند إجراء أي حوار مع شخصية كرئيس الوزراء، فهناك بالعادة تنسيق بين المؤسسة الإعلامية المستضيفة والضيف بخصوص محاور اللقاء والأسئلة، وقلما يخرج الإعلامي عن سياق هذه المحاور، وفي حال حدث ذلك فلا بد وأن يكون لدى الضيف سرعة بديهة لتجاوزها بطرق عدة. لكن رئيس الوزراء لم ينجح في هذا السياق!
بداية، فإن توقيت المقابلة لم يكن مناسبا لأن لا جديد لدى الدولة، وليس الرئيس وحده، لتقدمه للأردنيين الذين لا يثقون بالحكومة، ويتنمرون على كل شيء. لقد أخطأ الرئيس في تقدير ذلك، إضافة إلى تعمد طرح أسئلة شخصية في وقت يريد الناس أن يطمئنوا على استقرار الأمور، وفي الوقت الذي يعانون فيه من ارتفاعات في أسعار كل شيء وآخرها المشتقات النفطية. هذا أمر ترك انطباعا سلبيا عند المواطنين، انعكس على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي بنقد حاد.
وفيما يتعلق بما حدث في مجلس النواب، فقد بدا واضحا أن النواب نجحوا في استفزاز الرئيس الذي أكد في كلمته الشفافية وأورد الكثير من الحقائق، لكن أيضا في وقت غير مناسب أبدا، فتحولت هذه الشفافية إلى نقمة على الدكتور الخصاونة وحكومته، كان من الممكن تفاديها بخطاب أكثر هدوءا عبر الاستفادة من تردي شعبية أعضاء المجلس، وإيمان الناس أن غالبيتهم يبحثون عن مصالح شخصية وشعبويات غير بناءة.
في العموم لم يخطئ الرئيس بتصريحاته في المقابلة التلفزيونية وفي مجلس النواب بالمطلق، بقدر ما أخطأ في معالجة ما تعرض إليه في المناسبتين دون الأخذ بعين الاعتبار جميع الظروف المحيطة بتوقيت تصريحاته. نعم؛ نحن في حاجة إلى مسؤولين يمارسون الشفافية عن قناعة بمبدأ الشراكة بين المسؤول والمواطن، ولكن ينبغي أن تكون هذه الشفافية في سياقها الطبيعي، ووقتها الصحيح!