في هذه المقالة سنتحدث عن الصين وطريقة تعاملها مع منافسيها أو خصومها إن جاز التعبير من الدول العظمى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا خلال العقد الماضي ولغاية تاريخنا هذا.
تعتبر الصين ثاني أكبر إقتصاد عالمي بعد الولايات المتحدة الأمريكية بناتج إجمالي بلغ 17.73 ترليون دولار عام 2021 , في حين بلغ الناتج الإجمالي للولايات المتحدة التي تتربع على الإقتصاد العالمي لنفس العام 23 ترليون دولار , بينما بلغ الناتج الإجمالي لدول الإتحاد الأوروبي 17.09 ترليون دولار.
لقد تعمق الصراع الإقتصادي بين الصين وأحد أكبر منافسيها وهي الولايات المتحدة زمن الجمهوريين برئاسة دونالد ترامب , والذي كان يؤمن طيلة حكمه بقوة الإقتصاد الأمريكي الذي سيجعل الولايات المتحدة أكثر قوة, كونه رجل أعمال وإقتصادي يعي التفوق الإقتصادي وقيمته بعيداً عن الصراعات العسكرية مع منافسيه من الدول العظمى مثل الصين وروسيا, إضافة إلى تأخره في الإستجابة بالتضييق على الإقتصاد الأمريكي زمن جائحة كورونا حتى لا يتأثر إقتصادها.
حاول ترامب حينها الضغط على الإقتصاد الصيني ومحاربته, ومنع التكنولوجيا عنها بشتى الوسائل والطرق وفرض مزيداً من الضرائب على السلع الصينية وقيوداً أخرى, لكن الحكمة الصينية وتفهمها بأن أي صراعات مع الولايات المتحدة وخصوصاً في المجالات العسكرية ستجعل منها الخاسر الأكبر, حيث قامت الصين حينها بالإنفتاح الكامل على أوروبا وعلى العالم وبدأت تخطط بكيفية زيادة إستثماراتها وترجيح كفة الميزان التجاري لصالحها مع جميع الدول , وإستطاعت إجتياز جائحة كورونا بأقل الخسائر الإقتصادية وعادت كأسرع دولة في العالم لتحقيق نسب نمو ما بعد الجائحة, حيث أن دينها العام بلغ 15.5 ترليون دولار في حين بلغ دين الولايات المتحدة 31.8 ترليون دولار حسب إحصائيات هذا العام.
بعد فشل الجمهوريين بدخول البيت الأبيض مرة ثانية برئاسة ترامب , إستلم الديمقراطيون برئاسة جو بايدن الحكم في الولايات المتحدة والذي بدأت حينها المصاعب الإقتصادية خلال جائحة كورونا , وأقدم الرئيس حينها على ضخ سيولة 3000 مليار دولار أثناء جائحة كورونا للشعب الأمريكي , والذي لاقى إنتقاداً كبيراً من منافسيه من الحزب الجمهوري , وخصوصاً أن ملامح التضخم أصبحت واضحة ومسيطرة في الولايات المتحدة بعدها, ولم تفلح جهود سياسات الفيدرالي بكبح جماحه, وحيث أن أحد أسباب التضخم نتج عن بعض الإغلاقات الإحترازية لمرافق الحياة المختلفة من نشاطات تجارية وخدماتية وأسواق وغيرها, مما أدى إلى توفير سيولة بأيدي الأمريكيين أدى إلى إرتفاع غير مبرر في الأسعار, ومما زاد من ثقل كاهل الإقتصاد الأمريكي, الحرب الروسية- الأوكرانية التي لم يكبح جماحها الرئيس الأمريكي قبل العملية العسكرية الروسية, مما إنعكست آثارها بالسلبية على الإقتصاد الأمريكي من إرتفاع بأسعار الطاقة والسلع وكلفة تمويل الحرب التي لا تُعرف تاريخ نهايتها.
لقد أراد الديمقراطيين بدفع الصين المنافس الإقتصادي الأول للولايات المتحدة للقيام بعملية عسكرية على غرار العملية العسكرية التي قامت بها روسيا في أوكرانيا, من خلال دفعها لرئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي للقيام بزيارة لجزيرة تايوان وما تبعها من زيارة أخرى لأعضاء مجلس الشيوخ, إضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة مع تايوان, كل ذلك قابلته الصين بالعقلانية والحنكة السياسية بعدم التهور والإقدام على إحتلال تايوان الذي قد يؤدي إلى إنهيار في الإقتصاد الصيني, نتيجة العقوبات الموجعة التي كانت ستفرضها الولايات المتحدة مع حلفائها على الصين .
ونضيف أيضاً أن عدم دعم الصين لروسيا علناً في حربها على أوكرانيا , كل ذلك يُحسب للصين سياسياً, ووصلت القناعة أخيراً لدى الديمقراطيين الأمريكيين والأوروبيين بأن الصين لا يمكن محاربتها حالياً سياسياً ولا إقتصادياً, وأنها من الممكن أن تكون المنقذ للإقتصاد الأوروبي نتيجة ما يعاني منه الأوروبيين من تبعات الحرب, فقام مؤخراً المستشار الألماني شولتز بزيارة تاريخية للصين وفتح آفاق التعاون الإقتصادي بينهما, وتوجت التقاربات مع الصين من خلال قمة العشرين الأخيرة في بالي في أندونيسيا بلقاء بين الرئيس الصيني والأمريكي لمحاولة أمريكية من كسب وتحقيق مكاسب من هذه المقاربة وأهمها تضييق الخناق على الإقتصاد الروسي من خلال محاولة تقليل إستيراد الصين من النفط الروسي, بعد فشل السياسات الأمريكية مع منظمة أوبيك بلس في زيادة كمية الإنتاج, إضافة إلى تحييد الصين من تقديم أي مساعدات أو دعم عسكري لروسيا في حربه هذه.
لقد تفوقت الصين خلال الفترة الماضية إقتصادياً وسياسياً على نفسها ,فحافظت على مسافة متساوية مع روسيا والولايات المتحدة وأوروبا أبرز منافسيها عسكرياً وإقتصادياً, إضافة إلى قيام القيادة الصينية بمحاربة الفساد داخل البلاد كل ذلك إنعكس بالإيجاب على الإقتصاد الصيني.
فالمدرسة الصينية ستنطلق بقوة إقتصادية هائلة خلال الفترة المقبلة وهي الآن تجهز بمئات المليارات لمشروع " الحزام والطريق" البري والبحري وتدخل بشراكات لأهم الموانىء العالمية فقد زادت حصتها مؤخراً في ميناء هامبورغ الألماني بوابة أوروبا, وتتقرب أكثر من الدول العربية من خلال بناء شراكات تجارية وإقتصادية وإستثمارية لعقود قادمة من خلال القمم الثلاثة التي عقدتها بالعاصمة السعودية الرياض, كل ذلك لتُغرِق بصناعاتها ومنتجاتها وإستثماراتها الأسواق العالمية , في حين غرقت أوروبا في المستنقع الأوكراني.
المهندس مهند عباس حدادين
الخبير الإقتصادي والسياسي والتكنولوجي
mhaddadin@jobkins.com