سلامة الدرعاوي - دائماً ما تكون النفقات الرأسمالية في قانون الموازنة العامة الحلقة الأضعف التي يتم الاعتداء المباشر عليها من قبل الحكومة خلال فترة تنفيذ الخطة المالية للدولة، والاعتداء يتمثل في تقليص مخصصاتها وإجراء المناقلات المالية تحت حجج مختلفة.
في غالبية السنوات لم يتم تنفيذ كامل مخصصات النفقات الرأسمالية، ففي ظل الظروف العادية التي تمر بها الموازنة وهي نادرة، تكون نسبة التنفيذ ما بين (60 %- 70 %) منها، والباقي يذهب إلى تسديد النفقات التمويلية المتزايدة للحكومات، وهذا تجاوز للقانون ما بعده تجاوز، تتحمل تداعيات مخالفته كل من الحكومة التي تنفذ قانون المالية العامة للدولة، ومجلس النواب الذي يراقب الأداء الرسمي.
عدم الالتزام بتنفيذ كامل النفقات الرأسمالية في الموازنات العامة يعطي لأي محلل استنتاجات عديدة، من أبرزها أن غالبية هذه المشاريع المدرجة تحت بند النفقات الرأسمالية ليست مشاريع رأسمالية حقيقية من الناحية الاقتصادية والعلنية، وهي في الغالب نفقات تشغيلية لا أكثر تندرج تحت هذا البند تحت مسميات مختلفة، بدليل أن الحكومات التي تدرج ما يقارب الـ1.5 مليار دينار مشاريع رأسمالية ولا تحدث فارقاً في النمو، هي فعلاً ليست مشاريع ذات قيمة مضافة على الاقتصاد الوطني.
أي مشروع رأسمالي بهذا الوصف يجب أن يحقق قيمة مضافة عالية من ناحية المساهمة في التصدير وزيادة التشغيل وجذب عملات صعبة وتكنولوجية للاقتصاد الوطني، هذه هي مواصفات أي مشروع رأسمالي يجب أن يدرج في الموازنة العامة، وغير ذلك يذهب تحت بند النفقات التشغيلية لا أكثر.
الاستهتار الرسمي في التعامل مع بند النفقات الرأسمالية هو نتيجة غياب الالتزام الكامل بتنفيذ قانون الموازنة العامة، ففي كثير من الأحيان تشعر أن الحكومات لا تبالي بتنفيذ هذا القانون الذي أقره مجلس النواب ويستوجب الالتزام فيه، وهذه أيضاً نتيجة حتمية لغياب المساءلة الاقتصادية الرسمية في مجلس النواب الذي ينشط كظاهرة إعلامية صوتية في موسم مناقشة قانون الموازنة ويختفي عاماً كاملاً حتى يأتي القانون المقبل وإقرار الحسابات الختامية التي تقر دون أي مناقشة أو حوار اقتصادي سليم.
بند النفقات الرأسمالية هو البند الاقتصادي الأهم في القانون المالي للدولة، ففي حال تنفيذه بالشكل المطلوب فإنه كفيل بإحداث معدلات نمو إيجابية، تساعد على خلق فرص عمل جديدة، ويساهم بخلق حركة ونشاط اقتصادي عالي المستوى نتيجة الأعمال الاقتصادية التي تضمنها التنفيذ المستهدف لبنود النفقات الرأسمالية التي تتضمن حينها مشاريع ذات قيمة مضافة عالية في مختلف القطاعات الخدمية والإنشائية والصناعية والإلكترونية.
غالبية الحكومات بلا استثناء كانت وفي إطار مواجهتها لتزايد النفقات العامة والدعم المقدم من الخزينة لعدد من السلع أو نتيجة لقرارات شعبوية لها تداعيات مالية جسيمة وغير مخطط لها في الموازنة، تقوم الحكومات باللجوء إلى هذا البند وإجراء المناقلات لسداد ما يمكن سداده، وهو ما يتسبب في إحداث التباطؤ الاقتصادي وتراجع معدلات النمو، ناهيك عن ضعف الاقتصاد الوطني في التشغيل والاستثمار، فتكون له تداعيات سلبية على ارتفاع معدلات البطالة في المجتمع.
الحل الوحيد يكمن في الالتزام الحكومي الكامل في تنفيذ قانون الموازنة العامة للدولة، وعدم تجاوزه مهما كانت الأمور في بنود النفقات العامة، فالقانون هو القانون ولا يجوز بأي شكل من الأشكال الاعتداء عليه، وإعادة النظر في شكل وهيكل النفقات الرأسمالية وإعادة تبويبها وفق الشكل الاقتصادي السليم كفيل بإحداث التغير الإيجابي في النمو والتوظيف والتصدير وجذب الاستثمارات، وغير ذلك سنبقى في ذات الدائرة التي تدور حولها الحكومات، ولن تقوى حينها على إحداث التغيير الملموس الذي يتأمل المواطن وصانع القرار إحداثه في الاقتصاد الوطني.