"الإضراب والفقر والبطالة.. للشعب الأردني، والبذخ والترف والرفاهية.. للسفراء وحاشيتهم".. هكذا هو الحال في سفارات مملكتنا في ظل سيطرة الطبقة ( المخملية ) الفارغة على الحكومة وثروات ومقدرات الأردنيين الذي يقبعون في غيابات قوانين إستبدادية وإقتصاد مترنح يطمع رئيس الحكومة في الإستيلاء على ما في جيوب المواطنين لتمويل رحلات وحفلات السفراء الرسمية والخاصة في الخارج.
يتزامن الإحتفال بتناول المناسف في سفاراتنا في المغرب وفرنسا وغيرها، في ظل ظروف إقتصادية صعبة، وحالة غضب شعبي، ودعوات للتظاهر. كما يأتي الإحتفال بتناول المناسف في السفارات الأردنية في ( المغرب وفرنسا والبحرين وغيرها )، في ظل عجز كبير بميزانية الدولة وتراجع في الآداء الاقتصادي، وإرتفاع غير مسبوق في أسعار السلع والخدمات، وإتباع سياسة فرض ضرائب جديدة، وغلاء السلع الاستراتيجية "السكر والأرز والشاي والزيت".
ولم تذكر أية جهة رسمية التكلفة الفعلية لتلك الإحتفالات ومن الذي سيتحمل قيمتها، وأثار الاحتفال غضب النشطاء والمعارضين، الذين طالبوا بوقف الإسراف الحكومي الذي يأتي في ظل مطالبات متتالية من الحكومات المتعاقبة بالتقشف والجوع لدعم الإقتصاد.
وعبر البعض عن غضبهم من طريقة الإحتفال، حيث أعربوا ، إنه "من اللاخلاقية أن يتحمل المواطن البسيط تكلفة وعبء هذا الإحتفال". ومن غير اللائق أن تبدر هذه الأعمال من مسؤولين كانوا في يوم ما يقفون في صفوف الإعتصام منادين بالحقوق والكف عن الظلم والفساد، تحت شعار ( ما معناش ) ، ومما لا إنصاف فيه أن يكافىء هذا المترف بوزارة بعد سفارة، فمن يقل طائرة بالدرجة الخاصة بمبلغ يفوق ( 1000 دولار ) من دولة الى دولة أخرى من أجل تناول المنسف ... ، .
وقد يحاول بعضهم إخفاء ما يدل على تورطه في البذخ وهدر أموال الأمة، ولكن حتى لو تحرّز بعضهم في هذا المجال لكي لا يفضح أمره، فإنه يمارس الإستحواذ داخل بلاده فتراه يشتري ما يشاء ويبذخ كيفما يشاء، ويعيش هو وذويه في بحبوحة من المال العام، في وقت تتضور ملايين الشعب جوعا وفقرا، نتيجة للسياسة الإقتصادية المتخلفة، وضياع فرص البناء السليم بالجهل والقمع ومحاصرة الكفاءات.
البناء بأنواعه ليس أمرا سهلا أو هيّنا، فهو يحتاج الى الجدية والعمل المتأني المدروس، والمواظبة ومواجهة أقسى الظروف بإرادة حكيمة، وهناك شرط آخر يتعلق بأهمية حياة الزهد من أجل مواصلة المسؤولين لبناء الدولة، فالترف كما يوصَف هو منهج حياة يميز الذوات المشبعة بالأنانية والبحث عن لذائد الحياة، على حساب الفقراء وغيرهم، والترف غالبا ما يرافق حياة الأغنياء والمتنعمين بثروات البلاد بطرق الإستحواذ، لذا فإن حياة الترف غالبا ما يكون مدعاة للسخط لاسيما اذا تم بناءها من حقوق الغير، وهذا ما يحدث عادة في الدول التي لا تعترف بالقيم السليمة.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي