زاد الاردن الاخباري -
كتب : رجا طلب - الكلام المهم والعميق الذي تحدث به جلالة الملك عن الحالة الإسرائيلية والفلسطينية ومستقبل السلام والمنطقة في لقائه مع شبكة (سي ان ان) يوم الاربعاء الفائت، هو كلام بمنتهى الأهمية وبدرجة عالية من الشجاعة التي لا تقوى على قوله أي شخصية سياسية بمستوى وقيمة شخصية الملك، فجلالته حدد في ذلك اللقاء المحاذير التي يمكن أن تنتجها سياسات «العقل الحاكم الجديد» في دولة الاحتلال، وهو عقل منفصل تماما عن العالم والواقع ويعيش بعقلية «الغيتو» والعزلة وإنكار وجود الآخر، وهذا العقل وبقدر ما يشكل خطرا على «الاغيار» حسب التعبير ال?لمودي لهذه العقلية التي تتعمد فيه تقزيم الآخر ووجوده وكينونته، فهو يشكل في الوقت نفسه خطرا على دولة الاحتلال ذاتها وعلى السلم المجتمعي بين مكوناتها الاثنية والقومية والسياسية.
جلالة الملك ترفع عن إدخال كلامه ومنطقه في خانة لغة الاتهامات والتصيد أو الدخول في سجال من أي مستوى مع الطرف الآخر وقام بدلا من ذلك بإطلاق التحذيرات بشأن الوضع في القدس والوضع في الضفة الغربية وحدد بلغة واضحة الخطوط الحمر التي تمس الأمن القومي الأردني وبخاصة الوضع في القدس والحرم القدسي الشريف والدور الأردني «الوصاية الهاشمية» على المقدسات الإسلامية والمسيحية وخطورة تغيير الوضع القائم، مشيرا إلى أن المساس بهذا الوضع سيعنى المواجهة وان الاردن مستعد لها.
هذا الكلام ليس مألوفا لدى عتاة اليمين الديني – الصهيوني الذي بات يحكم دولة الاحتلال وهو الأمر الذي أحرج غرورهم، ومس عنجيتهم وشكل تحديا لما يعتقدون أنها تمثل كرامتهم، فسارعت دوائر الإعلام لدى هذا اليمين في شن هجوم بغيض على جلالة الملك وعلى الأردن لتعكس تلك الهجمة مدى الأثر السلبي الذي أحدثه مضمون مقابلة جلالته على صورة الكيان أمام العالم وتحديدا في الولايات المتحدة التي تشهد فيها دوائر صنع القرار حالة خوف حقيقي من هذا الائتلاف الحاكم في تل أبيب ومسلكياته المتهورة المتوقعة وما يمكن أن تسببه من ايذاء وإحراج ل?ياسة واشنطن في الشرق الاوسط بصورة خاصة.
من أكثر ردود الفعل لفتا للانتباه هو مقال الكاتب «نداف شرغاي» الكاتب اليميني المتطرف المحسوب على خط نتنياهو، في مقاله المنشور نهاية الأسبوع الماضي في جريدة «إسرائيل اليوم» المحسوبة على نتنياهو شخصيا، نداف لم يتمالك اعصابه وهو يرد على مقابلة جلالة الملك، وباعتقادي أن نتنياهو وبالتعاون مع المتطرف بن غافير هما من أوعزا له بمحتوى الرد حيث جاء في رد نداف العناصر التالية والتي تشكل مشروع تصعيد سياسي وأمني خطير وهي:
أولا: تأكيده على أن الوضع الراهن بالحرم القدسي الشريف «ليس مقدسا» وهو التعبير الذي استخدمه نداف في مقاله، وهو ما يعني أن الاحتلال سيقوم بالعبث بهذا الوضع بما يحقق اهداف اليمين الديني المتطرف الذي يريد استباحة الحرم وتحديدا المسجد الاقصى للبدء بإقامة مراسم اعادة بناء الهيكل الثالث لسليمان في مكان المسجد الأقصى وليس الصلاة أو غيرها من تلك الطقوس التلمودية الخرافية.
ثانيا: الإشارة وبالتهديد إلى مشروع قانون سبق أن جمد وكان معروضا على الكنيست يلغي السيادة والوصاية الهاشمية – الأردنية على الحرم القدسي والمقدسات المسيحية، هذه الإشارة كانت أكثر الرسائل «المتفجرة» التي أراد نتنياهو إرسالها إلينا بالأردن عبر مقال «نداف» وبهذه الطريقة المستفزة، ولكن وسلفا كان جلالة الملك عبد الله الثاني قد أعلن أن الأردن جاهز للمواجهة بأي طريقة وهو كلام يدركه «نتنياهو» جيدا و اعتمادا على خلفية المغامرة التي قام بها عام 1997، وأقصد هنا قرار نتنياهو باغتيال خالد مشعل في عمان وموقف الحسين رحمه ا?له الذي وضع في خطابه التاريخي حياة مشعل بكفة واتفاقية السلام بكفة، وهو التهديد الذي تحول إلى عقدة لتنياهو وأذله معنويا وسياسيا أمام الأردن والعالم.
تمكن نتنياهو بهذه الحكومة المتطرفة الهرب من زجه بالسجن، لكن ورغم ثقافته السياسية الواسعة دخل حقل الألغام «الأردني»، ففي هذا الحقل توجد أخطر الألغام التي يمكن أن تنهي حياة أي مغامر مستهتر ومراهق طائش.
ما غاب عن ذهن نداف غراي ونتنياهو، أن الأردن قيمة «جيوسياسية وتاريخية» معتبرة لدى القوى الدولية، وأن هذه القيمة من الغباء اسقاطها من معادلة «المواجهة» مع الأردن.