حسن محمد الزبن - بدأ عداد عام 2023 يسجل الوقت بالثواني والدقائق والساعات والأيام، وحال كل الشعوب، الفقير والغني منهم، بين من يسكنون الأكواخ أو من يسكنون بيوتا آيلة للسقوط، أو من يعيشون ببيت مملوك أو مستأجر، أو من يملكون فللا وقصورا، وما بين هذه وتلك تجد تحت ظلالها وسقوفها من هم أحلامهم تتوقف عند عتبات الفقر والجوع، ليؤمن كل منهم لقمة عيشه يوما بيوم، وآخرين يعيشون في رغد الحياة، وسرايا تعج بالخدم والحشم، ويعطون ويمنعون، وكأن من حولهم وجدوا لأجلهم ولخدمتهم، وهم مغموسون في هالة الفخامة، متجاهلون أن الملايين من البشر يتشردون ويتنقلون من مكان لآخر هرب من الحروب والويلات، وحملات التطهير العرقي، وهربا من ظروف قصريه تواجههم من الحرائق والجفاف وتغير المناخ، وأن من بين هذه الملايين من سكنتهم الأمراض التي تسربت إلى أحيائهم وأزقتهم في قراهم ومدنهم وبلدانهم، التي أرهقتها ومزقتها المؤامرات مما زاد من حجم الجثث والأشلاء ومساحات الرماد، والدمار، ورائحة الدم، في صراع بشري محتدم نصحو على ضحاياه هنا وهناك، ولا نقرأ إلا امتهانا للإنسانية بطرق ممنهجة للاضطهاد والتعسف والإبادات الجماعية في عالم بات متوحشا في تحقيق مكتسباته وأطماعه للسيطرة والبقاء.
وفي كل عام يولد، تتجدد الأحلام التي تدعو للتفاؤل، وتدعو للمطر، وتدعو للتسامح والوئام، وتدعو لتبادل الورود، وتدعو لمزيد من المراجيح والباحات للأطفال، وتدعو للرعاية المثلى لكبار السن والعجزة، وتدعو لراحة الأوطان واستقرارها، وتدعو لوقف التسابق في التسلح، والتوقف عن اغتيال الدول وغرس الحراب فيها، على أمل أن تتحقق العدالة والمساواة بين الشعوب، وأن تخمد نيران الزيف والباطل، وأن تتلاشى حملات الاضطهاد والتمييز، وتتوقف خطابات الكراهية التي أصبحت سمة المجتمعات شرقيها وغربيها، في عالم لم يعد صالحا للعيش فيه، بسبب الهيمنة وسيطرة قوى وأيد خفية، وأفكار دول عظمى تتغول على الإنسانية والبشرية، وتحاول أن تعيد عهد الرّق والاستعباد ليس لأفراد أو مؤسسات بل أيضا لقامات دول، لتظل مرهونة لسياط العقاب والمقاطعة والحصار السياسي والاقتصادي، تكريسا لقتل الأحلام على الأرض، وقتل الخير والرفاه على مدار الساعة، ومتى سنحت الفرص لذلك ليحل الشر وأعوانه وأدواته الأيدلوجية والتقنية التي تشكل وجها من صور القبح في جانب منها، والوجه اللاأخلاقي المندس بذكاء شيطاني، لتكريس العلم لخلق الفوضى، وخلق التعاسة والكآبة والمعاناة لأجيال تولد، ولبث سموم وأمراض وفيروسات تلاحق البشر أينما وجدوا، ليعيشوا حياة كارثية بعيدة عن الأمن والحياة الطبيعية التي منحها الله للإنسان، إنها سلسلة من المؤامرات لها قادتها وحراسها المغمورون، والمغرمون والجامحة شهوتهم بحب المال والسيطرة نحو إخضاع القطيع لغاياتهم وأساليبهم وتحقيق أهدافهم المسكونة بالخراب الكوني.
ملايين البشر غادروا، وسافرت أرواحهم، واستقرت جثامينهم في طبقة معزولة من الأرض مشيعين إلى مهد قبورهم الفردية والجماعية، وأخرى استقرت في قيعان البحار والمحيطات بعد تناثر رمادها مع عباب الموج، وأخرى بقيت رمما وجيفا تناولتها وحوش الأرض كوجبات دون جهد في الافتراس والصيد، وملايين أخرى ما زالت عالقة موبوءة بالمرض وتتمنى الشفاء، وملايين تنتظر حتفها من الخطر القادم الذي لا زال مقيما في الأرض.
ففي كل عام يأتي ندعو أن تتوقف النزاعات المسلحة، وتتوقف لغة الحرب، لينعم الجميع بالأمن والسلام، ويأخذون فرصتهم بالحياة الطبيعية والحق في ممارسة المعتقدات البيضاء السمحة والفاضلة، واستثمار حقوقهم المكتسبة في التعليم والصحة والعمل، والنشاط المجتمعي الإنساني، وأن يخرج البشر من القلق والخوف والاستباحة والتشريد والظلم، وما يهددهم من المجاعات واتساع دائرة جيوب الفقر التي باتت الجهود عاجزة في احتوائه والسيطرة عليه وأصبح يشكل تحد يومي لكل العالم، في غياب تنمية تنتشل العالم من تهديد حقيقي للتقدم البشري، ووضع يزداد تفاقما ويشكل تراجعا في التفاؤل والأمل، بل ويهدد السلم المجتمعي، ويخلق اضطرابا في العلاقة ما بين الشعوب ودولها، وانعدام الثقة، ما يعني أن للفقر والجوع دور في تفكيك أوضاع جيوسياسية ينظر إليها أنها متينة، وما يرجح سقوطها يوما لإخفاقها، وعدم قدرتها على معالجة ما يؤرق هذه الشريحة من المجتمع الدولي، والسعي لخلاصها مما تئن منه في دروب الجوع، التي تؤسس في حاضناتها ثورة الجياع التي سترقص في محافل الدم على أكتاف وأعناق سماسرة السياسة العمياء الظالمة، وطبقات النخبة، والطبقات البرجوازية الحاكمة، بعد مسلسل طويل من القهر والإذلال وفقدان التضامن مع حالها، وأدنى مستوى من حياة تفتقد للإنصاف، والإمعان في العزل، وتهيئة المناخ الآمن.
ترى متى يتوقف ما نشهده من فوضى وتهديدات تفرضها نزعة التوسع، وتفرضها الحروب، وتفرضها التجارب النووية، وتفرضها المكاسرة الدولية، وفروض الهيمنة وسباق التسلح وفروض الانحطاط الأخلاقي والجنسي، وفروض أسواق النخاسة، ومتاجر الشهوات والرغبات، والتقنيات التي انتهكت خصوصيات الأفراد والأسر والبيوت والمجتمعات والمؤسسات في الدول، ولا زالت عقول يسكنها التوحش تعتلي منصة العالم، دون أدنى مسؤولية بفداحة الجرائم وطرق انتهاك البشرية والتطاول عليها، باعتداءات صارخة على الأرض والبحر والمحيط والفضاء، والضحية دائما الإنسان الذي لو خُير بمستقبله، لفضل الرحيل إلى كوكب آخر يتوافق مع أحلامه وطموحاته وما تبقى من عمره ليعيش بحرية دون أن يُتاجر به كسلعة مستباحة.