زاد الاردن الاخباري -
إيهاب مقبل - يفر الكثير من الناس إلى السويد هربًا من الحروب والجوع والفقر المدقع. ويعتقد الكثير من الناس بأنهم سيعيشون حياة أفضل في البلاد الإسكندنافية. لكن «ما كل مايتمنى المرء يدركه رب امرئ حتفه فيما تمناه» كما قال أبو العتاهية، أو بنظرة أقل تشاؤمًا «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن» كما قال المتنبي.
فبحسب التلفزيون السويدي الرسمي، فأن أكثر من نصف مليون شخص في البلاد لا يستطيعون تحمل نفقاتهم الأساسية، واليوم هم معرضون للخطر بسبب الأرتفاع الكبير في الأسعار.
ويبرز الفقر بشكل خاص بين «المولودين في الخارج»، كما يقول التلفزيون السويدي في تقريره الذي نشره الأثنين، الثاني من يناير كانون الثاني الجاري 2023.
في هذا المقال لن أركز على التأثير الثقافي للاجئين في جعل ثقافات الدول المضيفة أكثر تنوعًا وإثراءًا بالقيم الإجتماعية والإنسانية. التركيز فقط فيما إذا كانت الهجرة قدْ حلت «مشكلة شيخوخة السكان» في السويد من الناحية الاقتصادية.
الجواب على هذا السؤال معقد جدًا، لكن «المعطيات الحالية» تُظهر أن الهجرة لم تحل مشكلة شيخوخة السكان في السويد بل عقدت مشاكل البلاد.
تكشف الدراسات والأبحاث الاقتصادية السويدية أن الهجرة لديها المقدرة على حل مشكلة شيخوخة السكان في السويد، ولكن بشرط واحد فقط وهو عثور الأشخاص المولودين في الخارج على عمل في السوق السويدية. وإلا فان السياسة المالية ستتأثر بصورة عكسية باستخدام الموارد المالية لدعم هذه الفئة في العثور على عمل.
وبحسب مركز الإحصاء السويدي فان البطالة بين المولودين في الخارج بلغت 19.5٪ في العام 2021، مقارنة بالمولودين في الداخل 5.4٪.
وترتفع معدلات البطالة بشكل ملحوظ بين الأشخاص المولودين في إفريقيا وآسيا، وهما القارتان اللتان كانتا هجرة اللاجئين منهما أكثر انتشارًا في السنوات الأخيرة.
يرجع سبب ارتفاع البطالة بين المولودين في الخارج بحسب موقع «الحقائق الاقتصادية» السويدي إلى أنخفاض مستوى التعليم بين هذه الفئة، وأستغراق وقتًا أطول لتعلم اللغة السويدية، بجانب الشروط الكثيرة لأرباب العمل.
وفي المتوسط يستغرق نصف عدد الأشخاص المولودين خارج السويد نحو ثماني سنوات للحصول على عمل في السوق السويدية. إنه وقت طويل حقًا، ولكن أرجح سببه الحقيقي تفشي «العنصرية المنهجية» في الدولة السويدية كما جاءَ في تقرير الأمم المتحدة في خريف العام 2022، بجانب تفشي «الفساد الإداري» في البلاد، وهو كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب ويحقق مصلحةً للفرد نفسه أو لأصحابه أو أقاربه بحسب تعريف منظمة الشفافية الدولية.
بالمناسبة، مصطلح «الفساد الإداري» غير مذكور بتاتًا في الدستور السويدي، وبالتالي لا توجد عقوبة لمثل هذا النوع من الفساد في البلاد، مما دعا السياسي السويدي أوفه سفيدين للقول بأن «السويد من أكثر بلدان العالم فسادًا».
القاعدة الاقتصادية تقول إنه كلما زاد عدد الأفراد المشاركين في الناتج المحلي الإجمالي، كلما كانَ ذلك أفضل لاقتصاد البلد. فمن مزايا إعادة توطين اللاجئين في السويد والبلدان الغربية توفير اليد العاملة وزيادة النشاط الاقتصادي.
لكن قبل كل شيء ينبغي توفير السكن والغذاء ودروس اللغة والرعاية الصحية، والعديد من الالتزامات الأخرى المترتبة على الدولة المضيفة توفيرها للاجئين. كل هذه الالتزامات باهضة الثمن لميزانية الدولة المضيفة، ولكن بعد توطين اللاجئين في وطنهم الجديد، فإن الاستثمار الأولي يؤتي ثماره عندما تنخرط هذه الفئة في سوق العمل ويدفعون الضرائب المرتفعة ويحفزون الاقتصاد ويرفعون الإنتاجية ويعززون الإبتكار.
وبالمقابل، معظم المهاجرين المولودين خارج السويد يملئون فقط الوظائف التي تتطلب مجهودًا شاقًا بأجور مُنخفضة، مثل العمل في المطاعم والفنادق والنقل والرعاية الصحية ورعاية المسنين، وهي وظائف لا يرغب العمل فيها السكان الأصليين. والأسوء أن العديد منهم لايزالون يقفون على أرض ليست ثابتة «عقود توظيف مؤقتة»، مما يزيد من معاناتهم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية كما يقول الباحث السويدي نيلز جوتفريز.
قدْ يرمي شخص ما تهمة على هذه الفئة بإنها لا تمتلك الكفاءة العلمية المطلوبة، لكن في السويد ستجد مهاجرون من خريجي «الكليات والجامعات السويدية» ويعملون كسائقي أجرة وباصات بسبب صعوبة العثور على وظيفة تتوافق مع تعليمهم الأكاديمي.
معظم الدول لديها ارتفاع في منتصف العمر المتوقع وسكان شائخون، لكن تأثيرات الشيخوخة على التركيبة السكانية تختلف بشدة بين البلدان المنخفضة الدخل والبلدان المرتفعة الدخل. ففي البلدان ذات الدخل المرتفع، تُشكل شيخوخة السكان عبئًا كبيرًا على ميزانية الدولة. إما في البلدان ذات الدخل المُنخفض، والتي في المتوسط لديها سكان أصغر سنا مثل العراق وسوريا وفلسطين والأردن ومصر وأفغانستان وأفريقيا، فإن شيخوخة السكان تعني بالدرجة الأساسية أن نسبة الأفراد في سن العمل ستزداد.
على سبيل المثال، بحسب موقع الهرم السكاني من عام 1950 إلى عام 2100، يظهر فيه أن التعداد السكاني في العراق سيزداد من 39 مليون نسمة في العام 2022 إلى 108 مليون نسمة في العام 2100، بينما في السويد سيزداد التعداد السكاني من 10 مليون نسمة في العام 2022 إلى فقط 13 مليون نسمة في العام 2100. والحال في ألمانيا أسوء، وذلك بسبب إنخفاض التعداد السكاني من 84 مليون نسمة في العام 2022 إلى 75 مليون نسمة في العام 2100. والسبب الرئيسي لارتفاع شيخوخة السكان في البلدان الغربية هو انخفاض معدلات الخصوبة «تراجع إنجاب المرأة بسبب خروجها للعمل»، وكذلك ارتفاع متوسط العمر المتوقع.
وفي الوقت الحاضر ما يقرب من 20% من سكان السويد ولدوا في الخارج بحسب تقرير مركز الأحصاء السويدي في الثاني والعشرين من ديسمبر كانون الأول الماضي 2022. ربما يرجع سبب إحتلال السويد المرتبة الأولى في الإتحاد الأوروبي بعدد اللاجئين لديها، للقواعد الليبرالية للهجرة، إذ غيرت السويد نظام الهجرة في الثمانينات من القرن الماضي، من «هجرة العمالة» إلى «هجرة اللاجئين» مع قوانين سخية للم شمل الأسرة.
تحسنَ الناتج المحلي الإجمالي للسويد كثيرًا بهجرة العمالة للأشخاص المولودين في الخارج، إذ كانَ دخلهم يوزع على الأشخاص المولودين في الداخل، وهكذا سهلَ دورهم دعم شيخوخة السكان.
لكن حالة العمالة ساءت تدريجيًا بين الأشخاص المولودين في الخارج بعد التحول إلى نظام هجرة اللاجئين. وأصبحت الهجرة منذ منتصف التسعينيات تستنزف الميزانية المالية للدولة بدلًا من دعمها بحسب تقرير صادر عن وزارة المالية السويدية في العام 2018.
تكشف دراسة أعدتها الباحثتين السويديتيين أوسا سيجندورف وإيميلي ثيوبالد في العام 2019 أن الناتج المحلي الإجمالي للفرد والتمويل العام لن يتحسنا بما يكفي للتعويض عن شيخوخة السكان باللاجئين.
وشيخوخة السكان من الناحية الاقتصادية تعني أن الإنفاق العام يرتفع حسب الحاجة إلى رعاية كبار السن وزيادة الرعاية الصحية. بينما تؤثر الهجرة من جانبها على الميزانية المالية للدولة، إذ تعتمد بشكل أساسي على مدى نجاح الأشخاص المولودين في الخارج في الوصول إلى سوق العمل بحسب الدراسة.
وتلخص الدراسة الفكرة الاقتصادية القائمة عليها سياسة الهجرة في السنوات القادمة بالتالي: «إذا كان وصول الأشخاص المولودين في الخارج لسوق العمل صعبًا على المدى القصير، فان هذا سيزيد من استهلاك ميزانية الدولة، إذ يستغرق المهاجرين الوافدين حديثًا وقتًا أطول للعثور على عمل، بجانب حاجتهم للتدريب والدعم الاقتصادي خلال هذا الوقت. وزيادة الإنفاق العام يزيد أيضًا الطلب في الاقتصاد. وإذا كان الاندماج يعمل بشكل سيئ، فإن القوة العاملة المحتملة التي يمثلها المهاجرون لن تكون كافية لتغطية الطلب المتزايد. وبالتالي يمكن أن تكون النتيجة زيادة استخدام الموارد وزيادة التضخم، وقدْ يحتاج البنك المركزي إلى رفع سعر الفائدة لتهدئة الاقتصاد».
المراجع
* أكثر من 500000 سويدي لا يستطيعون تحمل النفقات الأساسية، التلفزيون السويدي، 2 يناير كانون الثاني 2023
https://www.svd.se/a/8Jp4EG/fattigdomen-i-sverige-utrikesfodda-sticker-ut-sarskilt-mycket
* فروق كبيرة في البطالة بين المولودين في الخارج والمولودين في الداخل، مركز الاحصاء السويدي، 22 يونيو حزيران 2021
https://www.scb.se/hitta-statistik/statistik-efter-amne/arbetsmarknad/arbetskraftsundersokningar/arbetskraftsundersokningarna-aku/pong/statistiknyhet/arbetskraftsundersokningarna-aku-1a-kvartalet-2021/
* 20% من سكان السويد ولدوا في الخارج، مركز الأحصاء السويدي، 22 ديسمبر كانون الأول 2022
https://www.scb.se/hitta-statistik/sverige-i-siffror/manniskorna-i-sverige/utrikes-fodda-i-sverige/
* البطالة - المولودين في الخارج، موقع الحقائق الاقتصادية السويدي، 15 ديسمبر كانون الأول 2022
https://www.ekonomifakta.se/fakta/arbetsmarknad/integration/arbetsloshet-utrikes-fodda/
* الأمم المتحدة تنتقد عمل السويد تجاه العنصرية، 5 نوفمبر تشرين الثاني 2022
https://www.svt.se/nyheter/inrikes/fn-kritik-mot-sveriges-arbete-mot-rasism
* الفساد الإداري: مفهومه، وأنواعه، وأسبابه، وطرق مكافحته
https://www.annajah.net/الفساد-الإداري-مفهومه-وأنواعه-وأسبابه-وطرق-مكافحته-article-31816
* موقع الهرم السكاني
https://www.populationpyramid.net/
* حان الوقت للاندماج - تقرير حول خلفية اللاجئين وإنشاء سوق العمل، تقرير إلى فريق الخبراء المعني بالاقتصاد العام، وزارة المالية السويدية، 2018
https://eso.expertgrupp.se/wp-content/uploads/2018/05/ESO-2018_3-Tid-for-integration.pdf
* هل يعمل نظام الأجر السويدية؟ مسح طويل الأمد للاقتصاد السويدي، نيلز جوتفريز، 2010
http://uu.diva-portal.org/smash/record.jsf?pid=diva2:394814&dswid=-7329
* هل يمكن للهجرة أن تحل مشكلة شيخوخة السكان؟ أوسا سيجندورف وإيميلي ثيوبالد، 2019
https://www.riksbank.se/globalassets/media/rapporter/pov/artiklar/engelska/2019/190613/er-2019_1-can-immigration-solve-the-problem-of-an-aging-population.pdf
* السويد هي أكثر دول العالم فسادًا، أوفه سفيدين
https://www.youtube.com/watch?v=LZYo5c_SJfY
انتهى