مع دخولنا عام 2023 وما تم ترحيله لهذا العام من مشاكل سياسية وإقتصادية وتبعاتهما نتيجة الحرب الروسية - الأوكرانية وكورونا ومتحوراتها والتي بدأت مؤخراً بغزو الصين بقوة , والإنعكاسات على إرتفاع أسعار الطاقة والسلع الغذائية وإنقطاع لسلاسل الإمداد وتهديد للأمن الغذائي العالمي والمائي وأمن الطاقة والتغير المناخي الذين أثروا على دول العالم , إضافة إلى إرتفاع المديونية العالمية لجميع الدول , والتراجع في نسب النمو وإرتفاع الفقر والبطالة , كل ذلك تم ترحيله لهذا العام .
في هذه المقالة سنقوم ببعض التحليلات الإستراتيجية السياسية والإقتصادية والمالية والعسكرية في سيناريوهات قد يكون بعضها مقلقاً , لكننا لا نزال نحتفظ بالأمل ونعول على الخبراء والحكماء والمخططين الإستراتيجيين في العالم, وما يقدموه للسياسيين من خطط وأفكار ومقترحات لإخراجنا من هذا النفق المظلم الذي تتضائل فيه خيوط النور للخروج منه.
سنبدأ في سيناريو الحرب الروسية - الأوكرانية والتي إتجهت نحو مفترق طرق, بعيداً عن الحل السلمي والجلوس على طاولة المفاوضات فإننا نرى تسخيناً غير مسبوق من ضربات تدميرية روسية بالصواريخ الموجهة والطائرات المسيرة للبنية التحتية الأوكرانية وأهمها مصادر الطاقة وشبكات النقل والإتصالات والمراكز العسكرية, كأن روسيا تقول بأنني لا أزال أمتلك أسلحة وترسانة صاروخية قوية مع قرب دخول هذه الحرب عامها الثاني ,وكذلك ترُد بقوة على أي إستهداف داخل الأراضي الروسية, في حين تقوم القوات الأوكرانية بمساعدة الغرب بضرب أهداف موجعة داخل العمق الروسي موجهه بالأقمار الإصطناعية الغربية, من إستهداف لمطارات ومخازن أسلحة وتجمع قوات روسية وخصوصاً بعدما تزودت أوكرانيا بأسلحة حديثة من الغرب.
فهل نتجه إلى حرب إستنزاف؟ وخصوصاً ما تم إنفاقه من الولايات المتحدة على أوكرانيا يفوق 100 مليار دولار وتم رصد مبلغ إضافي هذا العام حوالي 40 مليار دولار, في حين لم يحقق الأوكرانيين نتائج ملموسة لغاية الآن, فالمتوقع أن روسيا ستبدأ حربها البرية خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة من شمال أوكرانيا (من خلال بيلا روسيا) والتي زادت من حشد قواتها حتى وصلوا الآن 300 ألف مقاتل, في حين متنت روسيا دفاعاتها شرق وجنوب أوكرانيا بوضع دفاعي قوي في المقاطعات الأربع , فإذا تم الإجتياح فإن روسيا ستنهي مسألة الإستنزاف وستجتاح العاصمة الأوكرانية , هذه المرة قامت بوضع خطة محكمة لتطبق عليها , تفادياً للأخطاء التي حصلت معها في المحاولة الماضية , وبعدها ستكون الأمور أكثر وضوحاً مع بداية فصل الربيع للجلوس على طاولة المفاوضات بسقف روسي مرتفع, ليتم التفاوض بين الطرفين , وننتهي من هذه الحرب التي رمت بثقلها على الإقتصاد العالمي وخصوصاً إقتصادات الدول الناشئة والنامية.
لقد إرتفع الدين العالمي حتى وصل إلى 303 ترليون دولار حيث زاد خلال عام واحد 77 ترليون دولار, وفقدت الصناديق السيادية والتقاعدية والصحية من قيمتها قرابة 10% في عام واحد , كل ذلك مع سياسات فيدرالية أمريكية من خلال 7 رفعات على الدولار خلال العام الماضي زادت من قيمة الدولار 20% ليتسيد العملات العالمية ,وذلك لكبح جماح التضخم الذي لم يتم السيطرة عليه لغاية الآن, وهذه الزيادات أثرت على الدول وخصوصاً النامية والناشئة المستدينة منها والتي زد عليها قيمة خدمة الدين السنوي, وكذلك مستورداتها من الطاقة والسلع الأساسية والذي أثقل كاهل شعوبها,إضافة إلى إرتفاع كلف الإقراض لتحقيق خططها السنوية من بُنى تحتية وتنمية مستدامة وجلب للإستثمارات, حيث يتوقع أن تتوالى عملية الرفع خلال هذا العام لأكثر من ثلاثة رفعات, وهذا سيؤدي حتماً إلى تحقيق نسبة نمو في السالب في دول العالم المتقدمة بعدما كان التوقع 0.5 %-1% , ويؤدي إلى زيادة نسبة البطالة في العالم وفقدان الوظائف وغلاء أسعار السلع التي تنتج في المصانع نتيجة لإرتفاع الكلف التشغيلية والإرتفاع في الإقتراض, وهذا حتماً سيوقعنا في الأسوأ وهو الركود التضخمي Stagflation والذي سيبدأ في الربع الخير من هذا العام والذي قد يقودنا نحو الكساد العالمي Depressionوالذي يعرف بإنكماش الإقتصاد العالمي والذي يستمر لسنوات عديدة, وما يزيد من الأمر سوءاً هو الإغلاقات الكاملة في العالم وإن حصلت هذا العام , وخصوصاً في "مصنع العالم" الصين نتيجة كورونا ومتحوراتها مما يؤدي إلى إغلاقات للمصانع والخدمات العامة والسياحة والأنشطة التجارية المختلفة .
لكن الخروج من شبح التضخم الذي يتربص العالم, يكمن بتحقيق الخطوات التالية, والتي وإن تحققت ستؤثر إيجابياً على الإقتصاد العالمي : أولاً: توقف الحرب الروسية - الأوكرانية بأسرع وقت ممكن والجلوس على طاولة المفاوضات.
ثانياً: بروز القطب الجديد بقيادة روسيا والصين , والتحول إلى تنوع التعامل في العملات بالمبادلات التجارية وخصوصاً النفطية , لتنتعش سلة العملات العالمية الأخرى, ليصبح هناك توازن في الأقتصادات العالمية, وتقييم حقيقي لها, وكذلك تفعيل طريقة الدفع الجديدة للقطب الجديد الموازية ل SWIFT وهي CIPS " Cross-Border Interbank Payment System "
ثالثاً: الشراكات الإقتصادية الجديدة, مثل الشراكة العربية - الصينية , وشراكة البريكس وشراكة شنغهاي.
رابعاً: حل المشكلة القديمة الجديدة التي أثرت على العالم وهي القضية الفلسطينية, على أساس حل الدولتين, الذي يجسد الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران 1967 , وعاصمتها القدس الشرقية , وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية,لأن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام العادل والشامل الذي يشكل خياراً إستراتيجياً عربياً, وضرورة لتحقيق الأمن والإستقرار الإقليميين والدوليين, مع الإحتفاظ بالوصايا الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس .
خامساً: نقل التكنولوجيا والتحول الرقمي من مشاريع وإستثمارات إلى الدول الناشئة والنامية لتسير معاً بنفس خطى الدول المتقدمة, لكي لا يكون هناك فجوة كبيرة تباعد المسافات بين الدول مع التركيز على مشاريع التنمية المستدامة من مصادر طاقة نظيفة ومدن ذكية للحفاظ على هذا الكوكب.
سادساً: إنشاء بنك دولي جديد برأس مال من مساهمة الدول في القطبين القديم والجديد, يعمل على شراء الديون المتعثرة للدول الناشئة والنامية وإقراض وتمويل المشاريع الإستثمارية في الدول الناشئة والنامية, لينافس البنك الدولي القائم, وأن لا يُسيس سياسياً لصالح أي قطب أو دولة, وهنا الفرصة متاحة للدول الخليجية للمساهمة في هذا البنك الجديد.
سابعاً: تشكيل هيئة دولية جديدة من القطبين القديم والجديد لفض النزاعات الدولية بطريقة تضمن العدالة والمساواة وعدم التمييز بين الدول لحل المشاكل السياسية والإقتصادية المتنازع عليها .
في الختام العالم كله في مركب واحد يتنفس نفس الهواء, فإما أن يغرق الجميع أو ينجو الجميع.
المهندس مهند عباس حدادين
الخبير الإقتصادي والسياسي والتكنولوجي.
mhaddadin@jobkins.com