ماهر أبو طير - هذه هي المهزلة الكبرى التي عشنا حتى رأيناها، فمن المطالبة بتحرير فلسطين، كل فلسطين، اصبحت المطالبة اليوم إعادة بطاقة VIP لوزير الخارجية الفلسطيني، والتي تساعده على العبور والحركة والسفر كشخصية مهمة، بعد ان سحبتها اسرائيل.
نعم هذه هي الحقيقة المرة، حين تصغر القضايا الكبرى، وتتحول الى تفاصيل جانبية تعبر في الاساس عن خطيئة اوسلو، وفشل مشروعها، بعد ان تم الاعتراف بثلاثة ارباع فلسطين، كدولة اسرائيل، مقابل غزة-اريحا اولا، ومقابل وعد بقيام دولة فلسطينية، وهي وعود لم تنفذ، ولا تتم محاسبة الذين ورطوا الفلسطينيين بها، واختطفوا وكالته ووقعوا نيابة عنه.
بدأت القصة بين السلطة وإسرائيل في 31 كانون الأول الماضي عندما صوتت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح قرار فلسطيني بطلب فتوى من محكمة العدل الدولية حول ماهية الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، فيما ردت سلطات الاحتلال بإجراءات عقابية، كسحب بطاقات VIP من مسؤولين فلسطينيين، وهي بطاقات العبور الممنوحة لرئيس سلطة اوسلو، واعضاء حكومة السلطة، والامنيين في ذات السلطة العتيدة، ومع هذا اقتطاع عشرات الملايين من اموال الضرائب الفلسطينية، بذريعة انها مخصصات لعائلات الشهداء والاسرى، وصولا الى منع البناء في مناطق “ج”، وغير ذلك من اجراءات قد تتبعها اجراءات ثانية، في هذه الحقبة الاسرائيلية، التي تقود كل المنطقة الى زاوية جديدة تماما.
القصة هنا ليست مس مقام وزير الخارجية الفلسطينية، اذ يكفيه ما فيه، لكن الوزير صرح غاضبا انه سوف يخاطب كل وزراء خارجية العالم، للتنديد بالتصرف الاسرائيلي بسحب بطاقته، حين كان عائدا من السفر، ومر بالأردن، نحو فلسطين، حيث تم احتجازه لنصف ساعة، والمشهد هنا مريع، لكنه يقول لك القصة، وما وراء القصة من ظلال.
معنى الكلام هنا ان اسرائيل لن تقبل من السلطة اي تجاوز للخطوط الحمراء، وتريد منها فقط تعزيز دورها الوظيفي ضد الفلسطينيين، وعدم التحرك دوليا، والقيام بقمع الفلسطينيين، نيابة عنها، والاستمرار في هذا الدور السيء، اي ادامة الاوضاع كما هي داخل الضفة، دون اي محاولة للوقوف في وجه اسرائيل، والخلاصة الضمنية، ان السلطة ستقول ايضا للفلسطينيين، انه ليس بالإمكان احسن مما كان، ولا تفترضوا ان لدينا القدرة على الوقوف في وجه الاحتلال، ما دمنا عند أول تحرك دولي، تم سحب بطاقات حركتنا وعبورنا، بما يسبب الشلل السياسي للسلطة، وتم تجميد اموال الشعب الفلسطيني، التي تجبيها اسرائيل على شكل ضرائب، ولا تعرف هل نتهم هنا اسرائيل وحدها، ام نتهم السلطة ايضا التي سكتت على مدى عشرين سنة، بل وقدمت خدمات للاحتلال، وتحولت الى جهاز وظيفي تمنع اسرائيل تجاوزه لصلاحياته.
الشعوب الحرة، لا تقبل هذه الاحوال، ولا يمكن احتمال كلفة سوء ادارة شؤون الفلسطينيين، بذريعة العوامل العربية والدولية الضاغطة، فلم يصل الشعب الفلسطيني الى هذه المرحلة، لولا المراهنات البائسة على قيام دولة فلسطينية، ولولا السكوت على المشروع الاسرائيلي الذي تمدد على مدى عقدين منذ اوسلو حتى يومنا هذا، وهذا امر يؤشر في هذه الحقبة على ان السلطة ذاتها ستصير مهددة من كل الجهات، من الجانب الاسرائيلي الذي يريد ردها الى بيت الطاعة الاسرائيلي، ومن الفلسطينيين الذين يمقتون السلطة، وتتدنى شعبية رؤوسها بينهم، وتتنزل عليهم صنوف الملاحقات الامنية كل يوم، بما يجعلنا نقرأ سيناريو سقوط كل السلطة، لاعتبارات بنيوية داخلية، او بفعل تخطيط خارجي، او لكليهما.
سلطة اوسلو عليها ان تمتلك جرأة اسلاف الفلسطينيين، وخبر من فيهم هذه الايام، وتعلن عن اجراءات اكثر، من إلغاء اتفاقية اوسلو، او حل السلطة ذاتها، ووقف التنسيق الامني، وفتح الضفة الغربية لكل الاحتمالات، حتى يدفع الاحتلال الكلفة التي يتجنبها، وبدون ذلك سنكون امام ذات القصص اللوجستية، منح هويات العبور، وسحب هويات العبور.
اسوأ ما سنواجهه الآن، استغراق السلطة في ذات الطريقة، اي خلع الشوك من القطن، وعدم المطالبة بعودة حقل القطن ذاته، من الذين سرقوه، وخلع الشوك هنا، سيبدأ بمطالبات وتدخلات لإعادة بطاقات VIP للمسؤولين الفلسطينيين، وصولا الى المطالبة بالمال لدفع الرواتب، وغير ذلك من قصص حفظناها بكل اللغات التي تعرفونها ولا تعرفونها.
اعيدوا البطاقة للوزير، فهذه هي قضيتنا الكبرى الآن، أما فلسطين فمؤجل أمرها حتى إشعار آخر.