حسن محمد الزبن - دولة عبد الرؤوف الروابدة الذي درس في جامعة بيروت، والتحق إليها من رحم بيئة قروية محافظة في شمال الأردن، ليجد نفسه في أجواء كانت مبكرة كثيرا ومتقدمة في انفتاحها ونهجها في الحياة، وحتى في أسلوب تعليمها الجامعي، ما أثر في شخصيته ورؤيته واستثمر ذكاؤه في بواكير شبابه، ما يعني أنه لم يكن طالبا عاديا يدخل المحاضرة ويخرج منها، بل كان له نشاطه داخل الحرم الجامعي، هذا فضلا عن تفوقه وتقدمه على زملائه، وله أفكاره وآراؤه المصحوبة بالذكاء والفطنة والجرأة، بدليل أنه كان يكتب في مجلة فلسطين، وكان من المؤسسين في حركة فتح التي أنشئت في بيروت، وأحد أعضائها سابقا، ليعود إلى الأردن بعد تخرجه، ليلتحق بالوظيفة العامة، ويتدرج فيها حتى وصوله إلى الوزارة، وأمينا لعمان ليجد نفسه بعد ست سنوات ونصف يستجيب لأفكاره وطموحاته السياسية في أن يستقيل من منصبه ليخوض انتخابات المجلس النيابي الحادي عشر وينجح بأن يكون في المجلس النيابي تحت قبة البرلمان، وتمر الأيام والسنوات ليصل بعدها إلى أرفع مناصب الدولة رئيسا للحكومة الأردنية متجاوزا كل من كان يحلم بهذا المنصب من أبناء جيله.
لا شك في أن دولته لم يصل هذا الموقع بسهولة، لكنه وظف ذكاءه وقدراته في المهام والوظائف التي شغلها، إلى جانب طرافته المعروفة في أن يكون قريبا من صناع السياسة ورجالاتها، ويكون له حضور بينهم، فقد كان صديقا لدولة مضر بدران وكثير من السياسيين، وله علاقات ولقاءات مع رؤساء دول وحكومات عربية أكسبته معرفة وخبرة وأثرت شخصيته في التعاطي مع السياسة إلى جانب قراءاته ومطالعاته وهو يرى في الكتاب أنيسا وجليسا، فقد شهدت ذلك له أيام كان أمين لأمانة عمان وكنت أزور المكتبة، وإذ به يجلس في الكرسي الأمامي للسيارة وينتظر السائق ولفت انتباهي حينها أنه يقرأ كتابا بين يديه، وعرفت بعدها أن دولته على ثقافة واسعة وهو ما يعطيه حضورا أوسع في نقاشاته وجلساته مع أي كان.
لذلك وإن نأى بنفسه عن المناصب العامة، إلا أنه لم يعتزل السياسة، بل تراه يمارسها بالندوات والمحاضرات واللقاءات ولا يفوت فرصة إلا ويؤكد بين فترة وأخرى أنه ما زال موجودا في الساحة السياسية، وبعد هذا العمر من عمله السياسي لا يمكن أن ننكر أنه يتم التوقف على كل ما يصدر عنه من حديث في الشأن العام والشأن السياسي الأردني، وتلقى تصريحاته اهتمام الإعلام والصحافة، وتناولها بعين التحليل والقراءة كونها صادرة عن رجل دولة اختلفنا معه او اتفقنا، إلا أنه لم يبتعد كثيرا عن المناخ السياسي الأردني والعربي، الذي يتابعه بصمت أحيانا، وبتصريح أحيانا أخرى، ويعبر عما يجول في خاطره دون ارتجاف، وقد يتجاوز في طرحه وأقواله وتصريحاته لسان المعارضة نفسها، وهو يدرك كسياسي أن كلامه محل قراءة ونقد وتحليل، ويمكن الاستشهاد به على اعتبار أنه جزء من الذاكرة الوطنية، وليس شخصية طارئة، بل كان مؤثرا بحكم المناصب التي تقلدها ويعتبر مؤسسا وصانعا ومشاركا لكثير من السياسات في صفحاتها.
دولته في حوارات المستقبل بين موقفه من الأحزاب، وأكد أنها أحزاب عقائدية ودينية، وكانت سببا في تراجع الأوطان العربية، ويرى أن الأصل بالأحزاب أن تتقبل الآخر وتتقبل الجميع، وحتى الأحزاب القومية لم تأخذ دورها الحقيقي، وبنظره كل الأحزاب لم تؤسس على قواعد أو برامج، وأن هناك ضبابية في فهم الأحزاب، وأن مفهوم الحزبية لم يصل للمواطن بشكل جيد بدليل أن المواطن الذي يتقدم للانتساب للحزب ليس نابعا عن قناعة بقدر ما هي أهدافه شخصية، لتحقيق مكاسب وظيفية، وعليه فإن هذه الأحزاب لن تقوم بالربيع القادم لأن مفهوم الحزب مزور، وما يخص قانون الانتخابات يرى أنه لا علاقة له بالشعب الأردني ولا يحتوي على تحديات موجودة لدى المواطن، وفيما طرح بموضوع الهوية الوطنية الأردنية بحسب رأيه أنها وئدت وهذا برأيي كلام خطير، وهو أيضا متمسك برأيه الذي طرحه مرارا، وأعاده في جلسة حوارات المستقبل بأن الهوية الوطنية الجامعة يجب ألا يُسقط منها“ الأردنية”، وإذا أسقطت فيكمن هنا الرعب، وهو أيضا يرى في دستور عام 1952م، هو الدستور الذي يجب عدم التخلي عنه لأنه الدستور الحقيقي الذي فصل بين السلطات.
أما فيما يتعلق بالوضع السياسي والاقتصادي؛ فهو يرى أن مشكلة الأردن لم تكن سياسية ولا اقتصادية بل هي مشكلة إدارية تعانيها الإدارات الأردنية لأنها أوكلت لمن لا يستحقها من خريجي الجامعات الأجنبية، واعتبر المال من القوى الخفية التي تتحكم في إدارات الدولة، مما أفقد الثقة بين المواطن والمسؤول، وهيأ الأجواء لتجاوز على الحكومات، وركز على حقوق المواطنة وما يعنيه المواطن من عيش كريم وأهمية ذلك في تعزيز الولاء للدولة ويكون شريكا لها في الرأي وليس في الموقع الوظيفي، ودولته ليس معارضا ولن يكون، لكنه مع المعارضة وضرورات وجودها كضرورة وطنية في أي دولة في العالم، لأنها برأيه تعطي بدائل لما تفعله الحكومات، ولكن هناك معارضة تقفز فوق الحكومات وتعارض الوطن، فهذه بالنسبة له ليست معارضة، ويرى دولته أن الحكومة البرلمانية تأتي عندما يشكلها حزب بالأغلبية، والمديونية التي تجاوزت ال 50 مليار دولار، هي مديونية سياسية وحلولها سياسية، وبرأيه ما دمت تقوم بدورك السياسي في المنطقة فلا خوف عليك، واعتبر ارتباط الأردن بالقضية الفلسطينية معززا لدوره ووجوده ولا خوف عليه، وهذا يتوافق مع ما طرحه الروابدة سابقا في لقاءات ماضية أن الوطن مستمر وليس حقيبة سفر، ويرى الروابدة أنه يجب أن نركز على ما لدينا من ثروات أهمها الزراعة باعتبار أن الأردن أفضل الدول زراعيا في المنطقة، وبالنسبة للسياحة اعتبرها ليست أردنية ويسيطر عليها أشخاص معينون، والمناطق التي تتواجد فيها هذه الثروات السياحية لا يستفيد من منافعها أهلها وسكانها، ويرى أن التركيز على العقل الأردني وصناعته أهمية واستراتيجية يجب رعايتها والاهتمام بها، ويرى أنه لا يوجد عدالة في توزيع المشاريع على كافة مناطق المملكة، وان هناك مشاريع تلغى ولا تنفذ.
خلاصة الكلام في حوارات المستقبل، يؤكد أن دولة عبد الرؤوف الروابدة الذي اعتزل المنصب العام لم يعتزل السياسة، ولا زالت لديه الخميرة الكافية أن يطحن ويعجن ويقلب الرغيف بالفرن السياسي، حسب قناعاته التي يقتنع بها ويحارب لأجلها ليس من باب المعارضة أو أنه في صفها بقدر ما يضع يده على الجرح، وأنه يؤكد معارضته لمواقف وإجراءات وقرارات، في ظل ما يطالب به الوطن بإعادة الدستور وسيادة القانون والحكم الرشيد والإدارة الحكيمة.