عادة ما ينظر لعجز الموازنة العامّة، إلى أنه مؤشّر اقتصادي وماليّ مهمّ يعبر عن مدى حيويّة وفاعليّة الموازنة وقدرتها على مواجهة التحدّيات وتحقيق معدّلات النموّ المستهدفة.
في الحالة الأردنيّة دائماً وأبداً لم تخل من العجز الماليّ، فالدولة تعتمد تاريخيّاً على المساعدات الخارجيّة في سداد العجز، وفي حال عدم القدرة على مواجهته وسداده بالكامل تلجأ إلى الاقتراض سواء أكان داخليّاً أم خارجيّاً، وهذا الّذي يفسّر أسباب نموّ المديونيّة.
في مشروع موازنة 2023 هناك عجز ماليّ مقدّر بحوالي 1.862 مليار دينار، وهذا ناتج أساساً عن وجود نفقات عامّة بقيمة 11.431 مليار دينار، مقابل إيرادات عامّة بقيمة 9.569 مليار دينار.
عادة تلجأ عمليّات الإصلاح لضبط حقيقيّ للنفقات العامّة لكي يتناسب مع الإيرادات المتحقّقة، وصولاً لهدف أساسيّ وهو الوصول لاستقرار ماليّ بين الإيرادات والنفقات، وبعض الدول تنجح في الوصول لفائض ماليّ في الموازنة، لكن في الحالة الأردنيّة هذا أمر مستحيل، حتّى تخفيض النفقات مسألة في غاية الصعوبة، نتيجة أوّلاً عدم وجود مساحة ماليّة كافية للإصلاح الماليّ وضبط النفقات، إضافة إلى أنّ أيّ عمليّات إصلاح ماليّ حقيقيّ وتقليل للنفقات بشكل رشيد أمر يحتاج لقرارات اقتصاديّة جريئة بعيداً عن الشعبويّات، وهذا أمر غير ممكن في ظلّ الأوضاع الراهنة.
يتوقّع أن يرتفع عجز الموازنة في عام 2023، بنسبة 2 %، ليصل إلى 1.862 مليار دينار، وهو العجز الخاصّ بالحكومة المركزيّة، لأنّه يوجد عجز بمقدار نصف مليار دينار، ليكون عجز الموازنة الحقيقيّ المجمّع 2.38 مليار دينار.
رغم توجّه الحكومة إلى وضع الدين العامّ في مسار هبوطي تدريجيّ، إلّا أنّ طبيعة النفقات العامّة وتطوّراتها ستؤدّي حتماً إلى أن يصل عجز الموازنة لهذا العام إلى حجم ماليّ كبير بالأرقام المطلقة.
تلجأ الحكومة إلى الاقتراض لتسديد العجز السنويّ في الموازنات، إلّا أنّ ارتفاع الفوائد على الاقتراض خلال العام 2023، سيحمّل الموازنة القادمة أعباء إضافيّة، ناهيك عن ارتفاع فوائد خدمة الدين، وبالتالي التخوّف من دوران العجز مع تضخّمه عاماً بعد عام.
عمليّات سداد الديون وخدماتها واضحة في جدول موازنة التمويل السنّة الماليّة 2023، حيث يتّضح أنّ الحكومة ستقترض 8.776 مليار دينار، موزّعة ما بين قروض داخليّة (5.629) مليار دينار، إصدار سندات محلّيّة بالدولار (1.326) مليار دينار، إصدار سندات اليوروبوند (709) ملايين دينار، وقروض مؤسّسات دوليّة لدعم الموازنة (1.071) مليار دينار، وقروض خارجيّة لتمويل مشاريع رأسماليّة بقيمة (42) مليون دينار.
المبالغ السابقة سوف تستخدم- حسب موازنة التمويل- في تسديد عجز الموازنة (1.862) مليار دينار، وتسديد أقساط القروض الخارجيّة المستحقّة (600) مليون دينار، وتسديد أقساط قروض محلّيّة بالدولار (248) مليون دينار، وسلف وزارة الماليّة لسلطة المياه (299) مليون دينار، وتسديد أقساط القروض الداخليّة المستحقّة على سلطة المياه (4) ملايين دينار، وأقساط قروض معالجة للمتأخّرات الحكوميّة (233) مليون دينار، وإطفاء سندات محلّيّة بالدولار (1.326) مليار دينار وأخيراً إطفاء دين داخليّ بقيمة 4.275 مليار دينار.
وعلى ضوء ذلك ستقترض الحكومة (8.776) مليار دينار، وتسدّد (6.452) مليار دينار من القروض الداخليّة والخارجيّة القائمة، وبالتّالي يتوقّع أن يرتفع الدين العامّ بحوالي (2.324) مليار دينار.
شكّل العجز الماليّ السابق في الموازنة يتطلّب موقفاً حازماً مترقّباً للحكومة والنوّاب معاً لبحث حقيقيّ في كيفيّة إيقافه أو حتّى الحدّ من نموّه كأرقام مطلقة في المرحلة الأولى، لأنّ بقاءه بهذا الحجم والشكل يعني مزيداً من المديونيّة الّتي في حال عدم وجود استراتيجية لإدارتها بشكل خاصّ ستدخل في مرحلة غير آمنة اقتصاديّاً خاصّة في ظلّ معدّلات النموّ المتباطئة.