الجامعات القوية والمتميزة علميًا هي التي تصنع النهضة والتقدم وليس العكس، ولطالما كانت الجامعات الأردنية منذ الإستقلال ملاذًا للطلبة من أبناء الطبقة الفقيرة لتحصيل العلم، وتخرج الأطر العليا، ورجالات الدولة للمساهمة في تنمية البلاد إقتصاديًا وإجتماعيًا وثقافيًا، وتقدمها العلمي والتقني بين الأمم والدول.
في ظل الأزمة التي تعيشها الجامعات الأردنية حاليًا "مع التحفظ على إسم جامعة" بسبب تعثر برامج الإصلاح السابقة الذي دندنت له الوزارات المتعاقبة بسبب التخطيط غير المعقلن، وأسلوب التجربة والخطأ الذي اتبعته السلطة الحكومية الوصية على القطاع.
ناهيك عن مشاكل الاكتظاظ الذي عانت ولازالت تعاني منه بعض الجامعات الأردنية خصوصًا المؤسسات ذات الإستقطاب المفتوح للمواسم الدراسية كل سنة جامعية؛ بسبب العدد الهائل من الطلبة الذين يتخرجون في الثانوية العامة، هذا بالإضافة إلى الطلبة القدامى، وكذا غياب "إن لم نقل" إنعدام البنيات التحتية، والتجهيزات الأساسية، والمرافق الأساسية الكافية للمؤسسات الجامعية.
تضاف إلى هذه المشاكل، أزمة نقص التأطير البيداغوجي، فغياب التأطير الكافي للعدد المتزايد من الطلبة الجدد خلق إشكالية كبيرة في ما يتعلق بالتدريس خصوصاً على مستوى المؤسسات الجامعية، التي تضطر إلى الإستعانة بأطر مهنية (محامون، قضاة، موثقين…) من خارج قطاع التعليم العالي، في حين يبقى مثلًا دكاترة الوظيفة العمومية الأولى بالإدماج داخل الجامعات من غيرهم، لذلك فالأمر يتطلب إحداث مناصب لتوظيف أساتذة جامعيين جدد لسد الخصاص الهائل.
أما على مستوى البحث العلمي، فمعلوم أن البحث العلمي يعد أحد أهم الركائز التي تعتمد عليها الشعوب في تحقيق التقدم ونيل مكانة وتقدير بين مختلف دول العالم، وتقيس أغلب المنظمات العلمية المعنية بتقييم المؤسسات العلمية والدول المختلفة بعدد الأبحاث العلمية التي تقوم تلك المؤسسات برعايتها، كذلك مدى دعم الدولة لأنشطة البحث العلمي المختلفة، وكلّما زادت الأبحاث العلمية القيمة التي تضيف إلى العلوم المختلفة بشكل واضح، كلما كان هذا في مصلحة الباحث والمؤسسة الراعية والدولة ذاتها.
غير أن الأمر ليس كذلك في جامعاتنا التي تصنف دائمًا في آخر السلم، فالأمر يندى له الجبين، والبحث العملي يولد ميتًا، ومراكز الأبحاث منعدمة أو مسيسة أو ذات أهداف ربحية أو مشخصنة، أي أنها تخضع لمزاج رؤسائها في التعامل مع مشاريع البحث العلمي، فإذا قدمت مشروع بحث علمي، فعليك الإنتظار ثم الإنتظار ثم الإنتظار، ثم يرفض مشروعك بسبب تافه يتعلق بغياب التمويل، وقد ينظر إليك بازدراء وإحتقار.
قد تكون محظوظاً لو كانت لك صداقة مقربة مع مدير المركز البحثي، في حين أنه لو قدمت مشروعك لمراكز بحث عربية فإنك تحظى بمركز محترم وإستقبال مهيب وإهتمام معنوي ومادي، كما أنه في بلادنا قد تُقصى من المشاركة في الندوات التي غالبًا ما تخاط على مقياس منظميها، أو تنظم من تحت الطاولة أو لأنك لست متحزبًا أو لست كفؤاً من وجهة نظر اللجنة التنظيمية للنشاط العلمي أو يتعمد إستبعادك من طرف بعض لوبيات الكليات أو المركز.
لكن ذلك لا ينفي وجود بعض المبادرات الفردية داخل الوطن التي يتخذها بعض الأساتذة الأجلاء الذين نوجه لهم الشكر الجزيل والذين يحتاجون إلى الدعم الحقيقي، حتى أن بعض الكليات لا تتوفر على مجلة علمية خاصة بها، وتهتم فقط بتزيين الحدائق وصباغة الجدران ونزاعات الموظفين مع الإدارة.
تقنين الإمتيازات المشروعة كولوج المسؤولية ومنح تعويضات للموظفين ويحدد شروطها ومعايير الإستحقاق وليس الإقتصار على بعض الموظفين المرضي عنهم بالجامعات؛ ويحدد طرق الإستفادة من التكوين المستمر؛ يحدد شروط ومعايير الترقية؛ مع إقرار الحقوق النقابية كاملة من خلال صياغة ميثاق العمل النقابي بين مختلف الفاعلين بالفضاء الجامعي.
لاشك أن الجامعات الأردنية تحتاج إلى إصلاح جذري يقوم على أسس مختلفة تمامًا عما كان سائدًا من ناحية الرؤية والغايات والمضمون والآليات. إصلاح شمولي يأخذ بعين الإعتبار واقع التعليم العالي في الأردن وأولويات المجتمع الأردني ومن تصور محدد عن دور الأردن إقليميًا وعالميًا.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي