الذي تقوله العملية الأخيرة التي تم تنفيذها في القدس، قالته عمليات ثانية، لكن إسرائيل لا تريد أن تسمع، ولا أن تتراجع، والعقود السبعة الماضية، دليل قوي جدا، على أن كل شيء سيتواصل بذات الطريقة التي نراها.
من ناحية تحليلية، العملية تثبت أولا أن أمن الاحتلال ضعيف جدا، والخروقات فيه كثيرة، خصوصا، في ظل توفر السلاح في القدس، والضفة الغربية، وغزة، وفلسطين المحتلة عام ثمانية واربعين، وهذا يقول من ناحية تحليلية، ان هذه العملية قابلة للتكرار، كل يوم، بوسائل مختلفة، بما يعني أن أمن إسرائيل هش وضعيف.
ثانيا، أن إسرائيل لا تدرك أن كلفة قتل الفلسطينيين عالية، إذ على الرغم من انها تقتل منذ سبعين عاما، وقتلت أعدادا كبيرة جدا من المدنيين بوسائل مختلفة، من القصف إلى الاغتيال وغير ذلك، وكان آخرها القتل العشوائي في مخيم جنين، إلا أنها لم ترتح أمنيا سوى فترات قصيرة، ومع كل جريمة قتل إسرائيلية يتم الرد فلسطينيا.
ثالثا أن الاستخفاف بكلفة الدخول إلى المسجد الأقصى، استخفاف ثبت دائما أنه غير صحيح سياسيا وأمنيا، إذ مع كل مرة يتم فيها اقتحام الأقصى، تقع بعدها ردود فعل فلسطينية، وهذا مثبت وحدث بعد اقتحام شارون للمسجد الأقصى، وفي رمضان قبل عامين واقتحام بن غفير الأخير للحرم القدسي، وسيحدث دائما.
رابعا أن مساحات الرد مفتوحة، برغم أن إسرائيل قسمت فلسطين إلى أربعة أقسام، وحشرت غزة في معاناتها، وحاولت أسرلة أهل فلسطين 48، وخنقت الضفة الغربية، وأدارت القدس بطريقة قائمة على الإخافة والتهديد، الا أننا نلاحظ أن الرد يأتي كل مرة من موقع مختلف، بما يعني أن التقسيمات الإسرائيلية تسقط دائما.
خامسا، قد نشهد هذه المرة، مثل كل مرة، عمليات انتقام إسرائيلية واسعة، من قصف الضفة الغربية أو غزة، أو اجتياح مخيم هنا أو هناك، أو ممارسة الاعتقالات، أو تشديد القبضة الأمنية، أو قصف غزة، وغير ذلك من سيناريوهات متوقعة، بتحفيز من اليمين الإسرائيلي الذي سيجد في عملية القدس ردا على اقتحام مخيم جنين، فرصة للذهاب أكثر ضد الفلسطينيين، وهذا يعني أن اليمين سوف يوظف عملية القدس، ضد أهل القدس، وضد عموم الفلسطينيين، لكن الكلفة على الاحتلال هنا، أيضا، مرتفعة، وسوف يتكرر سيناريو رد الفعل.
سادسا، سيخرج من الإسرائيليين من ينتقد حكومة نتنياهو ويوظف عملية القدس ضدها، باعتبارها رد فعل على ما يفعله نتنياهو وفريقه، وفي الحسابات الداخلية، قد تؤدي العملية ظاهرا إلى توحد الإسرائيليين معا، لكن السؤال الذي سيكون مطروحا، حول من يتحمل كلفة الطرف المنشئ لرد الفعل الفلسطيني.
سابعا، قد تتعرض سلطة أوسلو إلى إجراءات من نوع جديد، بسبب قطع التنسيق الأمني، وبسبب اللجوء إلى منظمات دولية للشكوى على إسرائيل، إضافة إلى كون المنفذ ينتمي إلى كتائب الأقصى، وفي ظل معلومات عن تصور إسرائيلي لضم الضفة الغربية أو أجزاء منها، أو اتخاذ إجراءات جديدة، فوق أن ضعف السلطة وتورطها في الدور الوظيفي، سيدفع الجانب الإسرائيلي إلى أمرين، أولهما الانتقام من السلطة سياسيا وأمنيا وماليا، دون اسقاطها بشكل كلي، لدورها الوظيفي، وثانيها، محاولة إعادة إنتاج دور السلطة.
ثامنا، ان إسرائيل اليوم، التي اعتقدت أن الوقوف في وجه تنظيمات فلسطينية، وحشرها في زوايا محددة، سيؤدي إلى تهدئة ردود الفعل الفلسطينية، ثبت لها انها اليوم أمام أجيال جديدة، لم تقبل وصفات التسكين الإسرائيلية، سواء كانت منتمية لتنظيمات، أو تعمل بشكل فردي، بما يعني استراتيجيا أن بنية المشروع الإسرائيلي مهددة.
تاسعا، ان كل الوضع في القدس والضفة الغربية مؤهل اليوم للانفجار بشكل كبير جدا، إضافة إلى ما يخص غزة، وهذا أمر سيؤثر على داخل فلسطين، وعلى دول الجوار، ورد الفعل الإسرائيلي على عملية القدس، سيتأرجح بين الرغبة بالانتقام، والمخاوف من الانفجار الكلي، وكلفته على مشروع الاحتلال في هذا التوقيت.
عاشرا، ان جذر المشكلة الأساسية، هو وجود الاحتلال في فلسطين، فهذا أصل المشكلة، والاستغراق بمناقشة التفاصيل اليومية يجب أن لا يعمي أحدا عن أن أصل كل القصة هو وجود إسرائيل غير الشرعي في فلسطين.