زاد الاردن الاخباري -
يتعرض مسلسل "ستيلتو" المُستنْسَخ من عمل تركي، لكثير من الانتقادات منذ بدء عرضه في سبتمبر/ أيلول الماضي، وأُنتجَت للسخرية منه مئات الفيديوهات التي تناولت تحديداً الصورة النمطية للزوجة المثالية التي اختزلت بامرأة تمارس مهام ربة المنزل الرتيبة مرتدية فساتين السهرة والكعب العالي. إلّا أنّ هذه الفيديوهات لم تكن سوى مؤشر إضافي على النجاح الجماهيري الذي حققه المسلسل، إذ فتح الباب أمام خط جديد في الإنتاج الدرامي العربي، فيه يجرى التعاقد مع مخرجين أتراك لإعادة استنساخ بعض مسلسلاتهم الناجحة مع كوادر عربية. وقد تكون المقارنة ما بين النسختين العربية والتركية من "ستيلتو" مفيدة لفهم العقلية التي تتحكم بالخط الدرامي الجديد.
على مدار حلقات المسلسل التسعين التي استغرق عرضها قرابة أربعة أشهر، كان "ستيلتو" يسير بخط مطابق للنسخة التركية الأصلية، ولم يحدث أي تغيير جذري إلّا في الحلقة الأخيرة، حين تغيرت هويتا القاتل والضحية، لينجح العمل في إثارة زوبعة أخيرة تحثّ الجمهور على متابعة البودكاست الخاص به الذي تعرضه منصة شاهد كسابقة في تاريخ الدراما العربية.
بخلاف ذلك، التغييرات كانت طفيفة جداً، ولم تؤثر على السياق الدرامي، بل إنّ الحوارات في أغلب المشاهد كانت مستنسخة بالحرف. وفي معظم المشاهد، لم تختلف حتى زوايا الكاميرات، ولم يحدث تغيير يُذكر على مستوى الحركة، رغم إصابة الممثلة اللبنانية ريتا حرب (أدت دور جويل) بكسر في الساق أثناء تصوير المسلسل، ومتابعتها العمل رفقة عكاز مزين بالريش.
"ستيلتو" مطابق للنسخة التركية، باستثناء مسألتين: البهرجة الإضافية التي توحي بأنّ الإنتاج العربي أكثر بذخاً، واختصار المشاهد الحميمية والقبلات بإيحاءات مقتضبة، وهو التغيير الذي يمكن النظر إليه كمؤشر على هامش التحرر في الدراما العربية والخطوط الرقابية الحمراء التي ترسمه. هذه الخطوط لا تبدو ثابتة في المسلسل، إذ تساهم الرقابة الذاتية في تكريسها، فندى أبو فرحات (نايلة) وريتا حرب تؤديان مشاهد قبلات خاطفة في المسلسل مع شركائهما، بينما تمتنع كاريس بشار عن فعل المثل، رغم أنها تؤدي شخصية "ألمى" التي لها النصيب الأوفر من هذه المشاهد في النسخة التركية.
المؤشر الأخطر يتعلق بإلغاء خط درامي رئيسي، وهو حمل "ألمى" من دون زواج. يبدو أن منتجي المسلسل يظنون أن هذا الحدث يتنافى مع أخلاق وعادات المجتمع العربي، لكنهم يحافظون على مشاهد القتل والمكائد والخيانات الزوجية، فهل هذه الأمور تتوافق مع عادات مجتمعنا؟ هذا الخط الدرامي الملغى كان دافعاً لقرارات عدة تتخذها "ألمى" في الحلقات الأخيرة، لكن الغريب أن قراراتها وتصرفاتها لا تتغير في النسخة العربية، إنما تقلص دوافعها بكرهها لـ"فلك" (أدت الدور ديمة قندلفت) الذي لا يبدو منطقياً وحده لكل ما يحدث في النهاية. هكذا تشيطن شخصية "ألمى" تدريجياً، قبل أن نفاجأ بالحلقة الأخيرة أنها هي من تقتل غريمتها "فلك"، خلافاً للنسخة التركية التي تنتهي بقتل "نايلة" لراوي الحكاية "خالد" (أدى الدور بديع أبو شقرا) عن غير قصد.
شيطنة "ألمى" وتحويلها بشكل مفاجئ إلى الشخصية الشريرة في الحكاية، بعد أن يعتمد النص تماماً على النسخة التركية التي تبدو فيها الطرف الأفضل مقارنة بـ"فلك"، ليس سيئاً بالمطلق، ويحقق مفاجأة قد تبدو مقبولة لمتابعي المسلسل الذين ينتظرون الوصول إلى لحظة التطهير في الحلقة الأخيرة. فحتى ولو نجت "ألمى" بجريمتها، لكن تتويج آثامها الصغيرة بجريمة قتل يتوافق مع معايير الدراما الأخلاقية، أكثر بكثير من نهاية الجزء الأول من المسلسل التركي. ولكن هذه النهاية المعدلة تضع الكثير من علامات الاستفهام على ما يحدث في المسلسل منذ بدايته، ففي الكثير من اللقطات الخاطفة للجريمة في بداية المسلسل يبدو واضحاً أن الميت الذي يسقط أثناء الحفل هو رجل، ويتم الحديث في بعض المشاهد عن الضحية بصيغة المذكر. كما أن صورة "فلك" تبدو واضحة على لوحة التحقيقات وبين صور المتهمين التي يغيب عنها ضحية النسخة التركية "خالد"، مما يوحي بأن القرار بتغيير النهاية تأخر كثيراً. كما أنَّ عدم تواجد الراوي "خالد" في التحقيقات غير منطقي، ولم يعد هناك أي معنى لسماع الرواية من وجهة نظره، بعد أن تبدل دوره في اللوحة الأخيرة.
ولا يمكننا أن نتحدث عن الفوارق بين النسختين العربية والتركية من "ستيلتو" من دون أن نشير إلى الفوارق بين الممثلين وأفضلية الأتراك الواضحة، فباستثناء ديمة قندلفت وبديع أبو شقرا وسامر المصري (لؤي) الذين تمكنوا من إضافة ملامح خاصة لشخصياتهم وجعلوها أفضل مما كانت عليه في النسخة التركية الأصلية، فإن بقية الممثلين الرئيسين بدا مستواهم أقل بكثير من الأتراك الذين أدوا الأدوار نفسها.