يدرك العالم كما تُدرك الصين بأن إحتلالها لجزيرة تايوان لن يحتاج أكثر من إسبوع , لكن ما يخشاه الصينيون هي العواقب الإقتصادية التي سيفرضها الغرب عليها بعد هذا الإحتلال , وهذا ما لاحظته الصين من خلال الحرب - الروسية الأوكرنية, فبعد نشوب هذه الحرب سارعت الولايات المتحدة مع حلفائها الغربيين بتجميد الإحتياطات الروسية الخارجية والتي تتراوح من 300- 400 مليار دولار, مما وضع الصين بموقف حيرة وتأني من خلال مراقبتها لهذه الحرب, وقد أشرنا في مقالة سابقة بعنوان "الحكمة الصينية في التعامل السياسي والإقتصادي مع منافسيها" لأن الصينيين يدرسون خطواتهم بدقة ويأخذون بالعبر السابقة وهذا الذي جعلهم في هذه المرتبة العالمية إقتصادياً.
تبلغ الإحتياطات الصينية من العملات الأجنبية قرابة 3 ترليون دولار ومعظمها موجودة في الغرب من أصل 12 ترليون إحتياطات البنوك العالمية والذي يبلغ إحتياطات الدولار منها 60%, وقد تعرضت الصين للتهديد من قبل الولايات المتحدة في شهر نيسان من العام الماضي بأنها ستخسر إحتياطاتها الخارجية إذا أقدمت على إحتلال تايوان وذلك على غرار ما تم عمله مع روسيا كعقوبات جراء حربها مع أوكرانيا, جاء ذلك على لسان وزيرة الخزانة الأمريكية .
إن ما قامت به الصين خلال الفترة القصيرة الماضية لحماية أصولها الخارجية وعدم تعرضها لمثل تلك العقوبات في حال فكرت بإحتلال تايون ما يلي:
1) البيع التدريجي لسندات الخزانة الأمريكية التي تملكها الصين حيث بلغت عام 2021 حوالي 1070 مليار دولار, وهذا ما ركزت عليه في مقالتي السابقة بعنوان" النووي الآخر" , حيث تخلصت الصين في غضون ال 10 شهور الماضية من 160 مليار دولار منها , حتى بلغت السندات الصينية في شهر تشرين أول 2022 حوالي 910 مليار دولار.
2) قيام الصين بشراء كميات كبيرة من الذهب حيث قام البنك المركزي الصيني بشراء 62 طناً من الذهب في خلال الشهرين الأخيرين من عام 2022.
3) محاولة الصين الجادة في التعامل بالعملة الصينية اليوان خلال مبادلاتها التجارية ومنها النفطية, وقد أشار إلى ذلك الرئيس الصيني "شي جين بينغ" خلال القمة العربية - الصينية الأخيرة التي عُقدت في الرياض نهاية العام الماضي.
4) محاولة الصين إيجاد طريقة دفع في المعاملات البنكية بديلة عن SWIFT , والطريقة الجديدة CIPS ( ( Cross-Border Interbank Payment System
5) تفعيل دور بريكس BRICS وزيادة دول الأعضاء فيه ليكون الحلف الإقتصادي الجديد , وكذلك منظمة شنغهاي.
مما سبق يتضح للقارىء أن الصين تتجه إلى تحرير إرتباطها إقتصادياً مع الغرب , من خلال التحوط الذي تقوم به سواء من فك إرتباطها بالدولار وزيادة مخزون الذهب والتقليل من سنداتها لدى الغرب والمبادلات التجارية والتعاملات البنكية البديلة, كل ذلك حتى لا يكون هناك أي وسيلة للضغط عليها إقتصادياً إذا ما أقدمت على إحتلال تايوان .
م. مهند عباس حدادين
الخبير الإستراتيجي في المجال السياسي والإقتصادي والأمني
mhaddadin@jobkins.com