مفهوم التربية
يعد مفهوم التربية من أكثر المفاهيم التربوية شمولا وعمومية، وله العديد من المعاني و الدلالات من حيث الدلالة اللغوية ترادف التربية لفظ "التنمية"، وعلى هذا الأساس تصبح علاقتها بالمدرسة علاقة محدودة، وليس علاقة مطلقة و كما هو الشائع. لأن « التربية تبدأ والإنسان جنين في بطن أمه، وهي تمتد معه طوال حياته، لأن حياته تعني إحتكاكه وتفاعله بالناّس والأشياء، يؤديان إلى (تعديل) في السلوك على نحو من الأنحاء ».
وقد يكون هذا التعديل إماّ إلى الأحسن، أو إلى الأسوأ، ولكنّه في الحالتين تعديل، وهو تعديل ناتج عن تربية، قد تكون مقصودة مثل التربية المدرسية، أو غير مقصودة مثل التربية اللامدرسية في الشارع أو المسجد مثلا. وعادة ما ينظر إلى علم التربية على «أنّه علم تطبيقي، على أساس أنّه علم يطبق أو يوظف المبادئ و القوانين المأخوذة من علوم أخرى (مثل علم النفس، علم الإجتماع، وعلم الإدارة، وعلم الإقتصاد ) لصالح تنمية الشخصية الإنسانية بكافة جوانبها » .
وتتجه التعريفات الحديثة للعملية التربوية إلى تأكيد المعنى الخاص بأنها « عملية تنمية الشخصية الإنسانية في جميع مجالاتها الجسمية والعقلية والنفسية والإجتماعية عن طريق إحداث تغير موجه أثناء تفاعل الفرد مع بيئته، في سبيل تحقيق أهداف محددة ».
وبعدما حاولت حصر مفهوم للتربية، سأحاول حصر مفهوم التعليم، لإرتباط التربية بالتعليم، فقبل أن يكون هناك تعليم تأتي التربية.
مفهوم التعليم
يكشف مفهوم التعليم الكثير من الغموض واللبس، فيخلط البعض بينه وبين مصطلح التربية، وخاصة أن كليهما يشار إليه بالانجليزية بكلمة واحدة " Education ".
ويشير مفهوم التعليم إلى عملية تربوية التي تتم داخل وسائط التربية النظامية، وبالتالي يصبح مفهوم التعليم يرادف التربية النظامية، وبدقة أكثر « فإنّ مفهوم التعليم يشير إلى العملية التربوية، ولنسميها الآن العملية التعليمية التي تتم داخل المؤسسات التعليمية الرسمية (المدارس، المعاهد، الجامعات، مراكز التدريب... )
إنّ المقصود بالتعليم هو اكتساب معرفة أو تعلم مهارات وبهذا المعنى يصبح التعليم جزءا من التربية، التي يتسع مفهومها ليشمل جميع المؤشرات والخبرات والوسائط التي تؤثر في سلوك الناس، وهذا التأثير يكون داخل المدرسة أو خارجها، سواء كانت التربية مقصودة أو غير مقصودة وبهذا فإنّ التربية هي أشمل من التعليم والسبب في ذلك أنّها تحدث في المجتمع ككل، والمدرسة هي جزء من المجتمع.
بعدما حاولنا رصد مفهوم التربية والتعليم، سأحاول أن أتحدث عن التربية والتعليم في الأردن إزاء متطلبات العصر ورهانات العولمة، وبما أنّ التربية ارتبطت بالتنمية، فتصبح العلاقة وطيدة مع المجتمع أي التنمية الإجتماعية التي تقوم على مجموعة من الإستراتجيات، حيث حاولت الدولة الأردنية منذ الإستقلال برمجة المرافق التعليمة وفق مبادئها الديمقراطية، فعملت على إنشاء المدارس، والثانويات،و المعاهد والجامعات، ومراكز التكوين بغرض إعداد فرد أردني يكون قادرا على تنمية المجتمع وجعل الدولة في مصاف الدول المتقدمة لأنّ المجتمع المتعلم لا يستعبد أبدا، وقد رصدت الدولة ميزانيات خاصة للإشراف على هذه المرافق التربوية، و قد حاولت الدولة بعد الإستقلال تخصيص مجموعة من الوزارات المسؤولة والمشرفة على التربية والتعليم، والمعروفة اليوم بوزارة التربية والتعليم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وقد أخذت الأردن على عاتقها مجانية التعليم، في كافة الأطوار، إنتهاءا بالمرحلة الثانوية وهو أمر متميز، مع الإشراف والمتابعة المالية لكافة البحوث والمشاريع والبعثات العلمية. والغرض من هذا هو إحداث تنمية مستقبلية يلعب فيها التعليم دورا أساسيا لأنّه يعتمد على التنمية البشرية في الأساس، التي تقود إلى تنمية إجتماعية. فالتعليم هو حلم معاصر لكل دولة، لأنّه يمثل الوعي الجماهيري والهدف منه تكوين مجتمع متعلم، والتخلص من توابع الأمية، فحقيقة الإنسان المعاصر اليوم هو الإنشغال بأمور الفكر والوعي.
لكن عندما نعمد إلى المقارنة بين التعليم في الأردن والتعليم عند الآخر/ الغرب المتطور نجد أن مسألة التفكير تختلف ففي الوطن العربي في الجانب التعليمي تبرز السياسة وهي من اختيارات السلطة ففي الواقع نجد أن الوطن العربي يمتلك مصادر كبيرة للدخل، ولكنه بالمقابل يستورد كل شيء وإذا ما نظرنا إلى المجتمعات المتقدمة نجدها في حقيقتها مجتمعات تربيتها متقدمة وبالمقابل فالمجتمعات المتخلفة هي في حقيقتها مجتمعات تربيتها متخلفة «ولا جدال في أن مصير أي دولة يتوقف على الكيفية التي تعد بها أجيالها تربويا، وتعليميا خلال السنوات القادمة» ، وبالتالي عندما نتحدث عن التربية و التعليم في الأردن فإننا نعني التربية من نوع خاص، وتعليما من نوع جديد يتوافق ورهانات القرن، التي تحتم تهيئة الفرد، و المجتمع لحقائق جديدة، ومتغيرات، وديناميات،وقيم أخلاقية مغايرة تماما لتلك التي ألفناها كمقومات لحياتنا المعاصرة وهذا يذكرنا بقول سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه: «لا تربوا أولادكم على أخلاقكم ، فإنّهم خلقوا لزمان غير زمانكم»
لذلك ضرورة اللحظة الحضارية، ومتطلبات العولمة تحتم علينا تكييف التربية والتعليم وفق متطلبات هذا العصر، مع التخطيط المسبق لتكوين وإنتاج فرد متطور، مهنته إقامة أردن متطور.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي