الإصلاح الماليّ والاقتصاديّ، هو الّذي يؤرّق المواطن والمسؤول على حدّ سواء. لأنّه بدون الإصلاح الماليّ والإصلاح الاقتصاديّ ستبقى هناك صعوبات وعقبات في طريق تحسين مستوى معيشة المواطن ونوعيّة حياته، وبدونهما ستبقى الهوّة بين المواطن والمسؤول قائمة وتتعمّق أزمة الثقة بينهما.
المشكلة الماليّة في الأردنّ واضحة تتجسّد في ازدياد النفقات عن الإيرادات وبالتالي عجز مزمن في الموازنة العامّة للدولة يتمّ تسديده عن طريق الاقتراض ويترتّب على ذلك ارتفاع المديونيّة العامّة للحكومة إلى مستويات أصبحت تنذر بالخطر إذا لم تتمّ معالجة المشكلة الماليّة من جذورها.
تتلخّص مشكلتنا الاقتصاديّة في تراجع نسبة نموّ الناتج الوطنيّ المحلّيّ الإجماليّ، وإن بقيت موجبة، ممّا يجعل الاقتصاد الوطنيّ عاجزاً عن استيعاب العمالة الأردنيّة المتوفّرة في سوق العمل أو العمالة الجديدة الّتي ستدخل هذا السوق سنويّاً.
ويؤثّر تراجع معدّلات النموّ أيضاً في الماليّة العامّة بمعنى عدم قدرة الاقتصاد على توليد حاجة الحكومة من المال.
وفي الوقت ذاته تؤثّر الماليّة العامّة على النموّ من خلال رفع كلف الاقتراض ومزاحمة اقتراض الحكومة للقطاع الخاصّ على الأموال المتاحة وضعف قدرة الحكومة على رصد المبالغ اللازمة للإنفاق الرأسماليّ اللازم لتحقيق معدّلات أعلى من النموّ.
لعلّ أبرز أسباب الأزمة الماليّة هو مجموعة من القرارات الخاطئة الّتي اتّخذت على مدى سنوات، وفي ظلّ ظروف خاصّة غالبيّتها كان في إطار الشعبويّة لا أكثر، ومن أبرزها توقّف العمل بسياسة تعويم أسعار المحروقات في عامي (2011-2012) والّذي أدّى إلى تراكم العجز وبالتالي زيادة في المديونيّة، إضافة إلى عدم تعديل التعرفة الكهربائيّة بعد انقطاع الغاز المصريّ وارتفاع كلفة توليد الطاقة مما أدّى إلى زيادة مديونيّة شركة الكهرباء الوطنيّة فبلغت خمسة مليارات دينار وما زالت الشركة تعاني من آثاره حتّى يومنا هذا.
ولا ننس كذلك عدم اتّخاذ قرار بالاستمرار في سياسة رفع الدعم عن الخبز مقابل إيصال دعم نقديّ إلى المستحقّين، الأمر الّذي أدّى إلى زيادة في الإنفاق بلغت أكثر من 150 مليون دينار في هذا البند سنويّاً.
كما أنّ عدم اتّخاذ قرار لإيصال الإعفاءات الطبّيّة للمستحقّين وقصر هذه المعالجات على المستشفيات الحكوميّة والّتي بدورها تقوم بتحويل المرضى إلى مستشفيات جامعيّة أو خاصّة حسب الحاجة أدّى إلى زيادة في الإنفاق بلغت مائة وخمسين (250) مليون دينار سنويّاً.
ومن الأسباب الأخرى هي عدم اتّخاذ القرارات اللازمة لمعالجة أوضاع الجامعات الحكوميّة الذي أدّى إلى وصول بند دعم الجامعات في الموازنة إلى (90) مليون دينار.
وفي ذات السياق، ساهم قطاع المقاولات الرسميّة هو الآخر في تلك الأزمة من خلال عدم اتّخاذ القرارات اللازمة لمعالجة مشكلة كثرة أوامر التغيير في العطاءات الحكوميّة التي أدّت إلى إنفاق مئات الملايين من الدنانير من غير أن يكون لها مخصّصات في الموازنة.
وأخيراً عدم اتّخاذ القرارات اللازمة لمعالجة مشكلة التهرّب الضريبيّ قبل عام 2019 وفي الوقت ذاته التأخّر في إجراءات تطوير عمل دائرة ضريبة الدخل والضريبة العامّة على المبيعات والجمارك، وتسبّباً في زيادة التهرّب وأثرا سلباً على الإيرادات المحلّيّة وبالتّالي زادت نسب العجز والمديونيّة.
هذه أسباب حقيقيّة للأزمة الماليّة الّتي تعاني منها الخزينة، تراكمت وبات بعضها مزمناً للغاية، وعلاجه أيضاً بات مكلّفاً على كلّ المستويات الاقتصاديّة والماليّة والاجتماعيّة.