لا يستقيم الحديث عن إصلاح التعليم العالي دون ربط الجامعة بواقعها الإجتماعي الذي أوجدها وتتحرك فيه، ودون الوعي بالدور الذي تقوم به باعتبارها جهازًا إيديولوجيًّا خطيرا في يد الدولة تبرر بواسطتها سيطرتها الطبقية وتعمل على تأبيدها.
واقع أكاديمي متأزم يطرح تساؤلات ملحة بشأن أفق البحث العلمي في الجامعات الأردنية ، بعدما عجزت مختلف الحكومات المتعاقبة عن تطوير الأداء الجامعي ليُساير التطورات العلمية والتحولات المتسارعة التي يشهدها العالم.
فقد غاب الأردن عن التصنيفات “العالمية المؤثرة” ، حيث لم تستطع أي جامعة وطنية، عمومية كانت أم خاصة، التموقع فيه، الأمر الذي يكشف عن الأزمة العميقة التي تعانيها الجامعات الأردنية، لا سيما ما يتصل بجودة البحث العلمي.
إن “إشكالية البحث العلمي في الجامعات والمعاهد العليا الأردنية غدت عميقة وبنيوية، نظرا لإهماله وغياب سياسة جادة وناجعة للدفع به قدما، فضلا عن غياب دعم حقيقي للبحث العلمي، ورعاية الباحثين وتحفيزهم معنويا وماديا”.
إن “هناك غياباً لهيكلة علمية على مستوى الجامعات، تدفع في اتجاه تجميع جهود بنيات البحث نحو تشكيل مراكز ومختبرات وأقطاب كبرى متعددة التخصصات، تشتغل على محاور بحثية تحظى بالأولوية في خدمة تنمية المجتمع”.
إن “ذلك خلاف ما هو واقع من وجود بنيات بحث ضعيفة في جل الجامعات الأردنية التي لا تملك الإمكانات المادية والتحفيزية للإنتاج العلمي والاستمرار، نظرا لضعف ميزانياتها؛ وإن وجدت على هزالتها، فهي تخضع لمساطر معقدة في الصرف، لا تلبي حاجيات البحث العلمي وأهدافه”.
“في ظل غياب إرادة حقيقية من المسؤولين وطنيا وجهويا لدعم البحث العلمي، وإنعدام إستراتيجية واضحة، ومراجعة السياسة المتبعة، بدءاً من مراجعة نظام الدراسات العليا وتكوينات الدكتوراه إلى هيكلة بنيات البحث وتجميعها ودعمها، وربط البحث العلمي والتعليم الجامعي بالمحيط السوسيو-اقتصادي للجامعات والحاجيات الوطنية والجهوية ذات الأولية، زيادة على تكريس الشفافية وتكافؤ الفرص بين الباحثين، (دون هذا كله) فإنه يبقى إدماج البحث العلمي في تنمية المجتمع أمرا صعب المنال”.
تبعا لذلك، فأن العوامل السابقة تجعل من “إحتلال مواقع محترمة في الترتيب العالمي للجامعات من الأماني المعسولة بعيدة المنال”، مضيفا أن “من أسباب الضعف أيظا، نجد أن البحث العلمي مازال حبيس الاشتغال الفرداني لدى كثير من الباحثين؛ إذ لم نستطع التأسيس لعمل تشاركي بين الباحثين أنفسهم بتجاوز العقليات والذهنيات الأنانية في البحث العلمي”.
الدكتور هيثم عبدالكريم احمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي