زاد الاردن الاخباري -
كتب الفريق ركن متقاعد موسى العدوان - قبل بضعة أشهر كتبت مقالا عاما بعنوان " تخريب الوطن من الداخل " ونشرته على صفحتي وعلى بعض المواقع الإخبارية، لافتا النظر بأن تخريب الوطن الذي يأتي ناعما متخفيا من الداخل، أكثر ضررا من الخطر الذي يدهمنا ظاهرا من الخارج. وعرضت في هذا المجال مثالا جرى في الاتحاد السوفييتي أيام عنفوانه، حيث كان بطله أحد المواطنين السوفييت.
وللتذكير بتلك القصة أوجزها بما يلي : لاحظت القيادة السوفييتية أن دواليب السيارات المطاطية، والمنتجة في أحد مصانع البلاد، راحت تنفجر بالسيارات خلال حركتها على الطرق. فاعتقد ستالين أن هناك مؤامرة على الاتحاد السوفييتي، وكلّف خروتشوف عضو الحزب الشيوعي السوفييتي، بالبحث عن حيثيات هذه المؤامرة.
كان مصنع الدواليب هذا، قد قُدم هدية للسوفييت من شركة فورد الأمريكية لصناعة السيارات، وكان ينتج الدواليب الجيدة منذ عدة سنوات، ولكن فجأة في الأشهر الستة الأخيرة، بدأ ينتح دواليب تنفجر بالسيارات بعد السير عليها لبضع كيلومترات، ولم يعرف أحد سببا لذلك. فاتصل خروتشوف مع الأمريكان باحثا عن سبب اتجار الدواليب، ولكن لم يحصل على حل.
ذهب خروتشوف إلى مصنع الدواليب، واطّلع على المخططات وأشرف على تحليل المواد الخام فكانت نتائجها جيدة. ثم تابع خط الإنتاج ومشى معه من نقطة الصفر وحتى خروج الدولاب من الإنتاج، ولكنه لم يتوصل إلى معرفة السبب أيضا.
وبينما كان يمشي قي المصنع شاهد صورا لأبطال الإنتاج الشهري معلقة على الحائط، ولفت نظره صورة أحد المهندسين، وهو يتربع على رأس هذه القائمة منذ ستة أشهر، أي منذ بدء ظهور مشكلة الدواليب.
في صباح اليوم التالي طلب خروتشوف ذلك المهندس وقال له : أرجوك يا رفيق أن تشرح لي كيف استطعت أن تكون بطل الإنتاج في هذا المصنع لستة أشهر متتالية ؟ فأجاب بأنه استطاع أن يوفر خلال الأشهر الستة الماضية ملايين الروبلات للمصنع والدولة. فسأله خروتشوف وكيف استطعت أن تفعل ذلك ؟ فقال ببساطة : قمت بتخفيف عدد الأسلاك المعدنية التي تخل في صناعة الدولاب، بناء على توصية من المهندسين الأمريكان، وبالتالي استطعنا توفير مئات الأطنان من المعادن يوميا.
وهنا شعر خروتشوف بسعادة كبيرة، إذ استطاع معرفة حل ذلك اللغز المحيّر، فاتصل فورا بستالين وشرح له ما حدث، وبعد دقيقة صمت قال ستالين : وأين دفنت جثة هذا الغبي ؟ فأجابه خروتشوف : في الواقع لم أعدمه لأن الناس لن تفهم لماذا نعدم بطل إنتاج، رُفعت صورته كبطل قومي في مدخل المصنع لستة اشهر، ولكن سأرسله إلى سيبيريا ليموت هناك جزاء خيانته لوطنه.
* * *
وعودة إلى ما جرى في الآونة الأخيرة من تعديلات على امتحان البورد الطبي الأردني، وتخفيض مستواه في دولتي قطر والسعودية، كما أعلن نقيب الأطباء الأردنيين الدكتور زياد الزعبي، وعارض تلك التعديلات وزير الصحة الأسبق الدكتور غازي الزبن، ورئيس اللجنة الصحية في مجلس النواب الدكتور إبراهيم بني هاني، وكذلك نقيب الأطباء وغيرهم من الأطباء، إضافة إلى مذكرة الاعتراض التي قدمها في حينه ثلاثة عشر طبيبا، هم رؤساء المجالس العلمية في المجلس الطبي الأردني. ولكن رغم المعارضة الواسعة من أصحاب الاختصاص، إلاّ أن مجلس النواب أقر تلك التعديلات، بتاريخ 12 / 9 / 2022.
ومع أنه لا مصلحة شخصية لي بهذا الموضوع سوى مصلحة الوطن، فإنني أطرح التساؤلات التالية على من يهمه الأمر : هل نحن في حالة التعديلات التي جرت على امتحان البورد الأردني، أمام حالة مشابهة لحالة مصنع الدواليب التي جرت في الاتحاد السوفييتي السابق ؟ وهل هذا التعديل سيرفع من كفاءة الأطباء ومهنة الطب في الأردن بشكل عام ؟ أم سيزيد من التراجع في كلا المستويين، وبما ينعكس بالتالي على تخريب الوطن من الداخل ؟
وأختم أخيرا بالسؤال التالي : هل ستعيد الحكومة النظر بهذا القرار، بعد أن علمت بقرارات بعض الدول الشقيقة، فيما يتعلق بتخفيض اعترافها بمستوى البورد الأردني قبل أن يستفحل الأمر؟
أعتقد أنه لو حدث مثل هذا الأمر في دولة متقدمة، لإعادة النظر بحيثيات الطب لديها، وحاسبتْ كل من كان سببا في تراجعه وتخفيض مستواه..!