بعد إنتهاء حرب العراق عام 2003 , والإنسحاب من أفغانستان إستنتجت السياسة الأمريكية ذلك العملاق الكبير الذي يحكم العالم أنه لا يجب أن يكون هناك مواجهه مباشرة مع أي خصم لتحقيق أي أهداف أو مهمة في أي بقعة في العالم, بل يجب أن تتم من خلال حروب الوكالة وذلك بالإعتماد على حلفائها بعد تقويتهم عسكرياً بالتسليح العسكري وبيع السلاح لهم الذي يجني عشرات المليارات من الدولارات والتدريب والتنسيق الكلي معهم, وهذا من شأنه أن يوفر على الولايات المتحدة الكثير من الخسائر المادية والبشرية ويحافظ على هيبتها في العالم في حالة لم يتم تحقيق جميع الأهداف , كل ذلك كان نتيجة ما واجهته الولايات المتحدة من خلال ما قامت به في العراق وأفغانستان سابقاً.
إضافة إلى ما سبق فإن الإستراتيجية الجديدة للولايات المتحدة في مواجهة خصومها وإضعافهم من القوى العظمى يجب أن تكون في عقر دارهم أو في حديقتهم أمام منزلهم, وإبعاد أي مواجهة عن أراضي الولايات المتحدة.
يتابع الآن العالم الحرب الروسية - الإوكرانية كيف أن الولايات المتحدة تدير الحرب بواسطة حلفائها من الدول الأوروبية في حلف الناتو , بحرب طال أمدها وظهرت مفاجآت أهمها التحالف والسلاح الغربي والمتمثل ب50 دولة الذي لم يحسم المعركة ضد روسيا مبكراً والنتائج غير معروفة لغاية الآن, رغم أنها تصب في صالح روسيا على الأرض, لكن ما تحققه الولايات المتحدة بإستنزاف لأحدى القوى العظمى التي تنافسها , حيث أن هزيمة روسيا وإن حصلت يعني فتح الطريق لتعزيز القطب الواحد في العالم وهو الولايات المتحدة.
كل تلك المقدمة هي لما سيحصل في السنوات القادمة وما تُخطط له الولايات المتحدة ما بعد حرب أوكرانيا وهو مواجه الصين , بالطبع ستكون مواجهه غير مباشرة على غرار الحرب الروسية - الأوكرانية , من خلال تسليح وتدريب وتجهيز الدول المجاورة والتي تقع بالقرب من الحديقة الصينية, ورأس الحربة للإطاحة بالماردالصيني ستكون تايوان كما هي أوكرانيا للإطاحة بالدب الروسي, والإختلاف أن الحرب الأولى معظمها على اليابسة بينما الحرب الثانية ستكون معظمها في البحر.
سنستعرض الشواهد التي قامت بها الولايات المتحدة مؤخراً للتحضير للحرب القادمة, وذلك من خلال بناء تحالف قوي من الدول المحيطة في ساحة المعركة المتوقعة وهي : إستراليا, الفلبين, اليابان, كوريا الجنوبية, بالإضافة إلى تايوان وذلك من خلال:
- إستراليا: توقيع إتفاقية أوكوس الأمنية بين الولايات المتحدة وأستراليا وبريطانيا لصفقات تسليح وتزويد تكنولوجيا نوعية للقوات المسلحة الأسترالية, لنشر غواصات تعمل بالطاقة النووية , وكذلك إرسال 6 قاذفات قنابل بي-52 قاددرة على حمل أسلحة نووية إلى قاعدة جوية في شمال أستراليا.
- الفلبين: من خلال نشر قواعدها العسكرية على شواطىء بحر الصين الجنوبي , وقد تمت الموافقة أخيراً بإستخدام 4 قواعد عسكرية إضافية على الأراضي الفلبينية لتكون قاعدة عسكرية إستراتيجية على الحافة الجنوبية الشرقية لبحر الصين الجنوبي بالقرب من جزيرة تايوان.
- اليابان:هناك قاعدة جوية أمريكية في جزيرة أوكيناوا تضم طائرات مراقبة وتجسس, وقاعدة كادينا الجوية أكبر القواعد الأمريكية بالإضافة إلى قاعدة يوكوسوكا في خليج طوكيو ذات الأهمية البالغة في اليابان, إضافة إلى زيادة القدرات العسكرية اليابانية وذلك بتغيير العقيدة العسكرية لديها بزيادة الإنفاق الأمني والعسكري ب 315 مليار دولار للسنوات الخمس القادمة , بزيادة 60% عن قدرتها التسليحية في السنوات الخمس السابقة , والتزود أيضاً ب500 صاروخ أمريكي نوع توماهوك لتعزيز هجومها المضاد وللوصول إلى أهداف بعمق 1000كم, إضافة إلى تدشين عدة غواصات ثقيلة تعمل بالكهرباء من الفئة تايجي والتي تعتبر من الغواصات الهجومية الهجينة بتكلفة 750 مليون دولار للغواصة الواحدة.
- كوريا الجنوبية: بيعها طائرات مروحية وعتاد عسكري بقيمة إجمالية 1.5 مليار دولار بالإضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة معها .
- تايوان:صفقة أسلحة بقيمة 1.1 مليار دولار تشمل صواريخ مضادة للسفن من طراز Harpoon, وصواريخ جو- جو قصيرة المدى ,ودعم لبرنامج رادار الإستطلاع وكذلك تزويدها بقطع غيار طائرات ف16 وطائرات وأنظمة دفاعية بقيمة 428 مليون دولار, بالإضافة إلى المناورات العسكرية المشتركة معها.
في الختام ما تتوقعه الإستراتيجية السياسية الأمريكية خلال العقد القادم بأنه لن يبقى أي منافس عسكري لها إذا نجحت خططها وستبقى القُطب الوحيد , وسيكون إقتصادها الأقوى مدعوماً بقوتها العسكرية إذا إستطاعت التغلب على الصين , وكما إشرنا في مقالات سابقة ربما الصين لن تنجر إلى أي حروب في المستقبل القريب, لأن الحكمة الصينية في التعامل مع الخصوم سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً سيجعلها تتجنب أي مصائد, لتعبُر بإقتصادها الذي يتوقع أن يصل ناتجها المحلي الإجمالي عام 2030 قرابة 64 ترليون دولار الأعلى بدون أي منافسة عالمي, مع تنفيذ خططها وأهمها "مبادرة الحزام والطريق" وبناء منظومات متطورة عسكرياً إذا نجحت ببناء مصانع للرقاقات الإلكترونية تنافس التقنية الأمريكية التي تُصنّع في تايوان.
الخبير الإستراتيجي في مجال السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
م.مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com