تمر علينا في حياتنا لحظات نشعر وكأنها دهر بأكمله، وأخرى كلمح البصر نتمنى وكأنها لم تنته أبداً.
قبل أشهر قليلة كانت معلمة قد أعدت نموذج الاختبار النهائي لطلابها في إحدى المراحل الدراسية التي تقوم على تدريسها مع مجموعة من السلال والمواد الغذائية لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، قبل مغادرتها مع عائلتها في رحلة لقضاء الإجازة لم تكن تعلم أنها الرحلة الأخيرة التي ستأخذها مع عائلتها إلى مغادرة هذه الدنيا بأكملها رحمها الله، وهذه القصة بكل ما فيها من تفاصيل وعبر ومثلها عديد القصص تنضم لمئات القصص لمنكوبي الزلازل الأخيرة في تركيا وسوريا، رحم الله من غادر منهم هذه الدنيا وكتب الشفاء العاجل لكل من أصيب، وفرج الهم والكرب عن المكروبين منهم، فبعضهم استيقظ ليجد كل ما جمع في حياته هباء منثوراً أمامه في أقل من دقيقة، ولخصتها قصة أحدهم عندما قال أنه خرج مع زوجته يركضون كالمجانين أمام هول الموقف وكأن القيامة قد قامت، حتى تذكرت زوجته طفلها الرضيع فعادت لأخذه من المنزل وهربت مسرعة، لتكتشف بعدها أن ما جاءت به بين يديها هو ليس طفلها في الحقيقة وإنما وسادته التي ينام عليها، فيقول عندها فقط رأيت بعيني كلام الله عزوجل الذي أخبرنا به في كتابه الكريم عن أهوال القيامة وكيف يغيب يومها العقل حتى عن الأم فلا تعود قادرة حتى على إنقاذ طفلها الرضيع الأكثر التصاقاً بها، نعم دقيقة غيرت مجرى حياة عشرات الآلاف من البشر، والذين يمكن أن يكون أياً منا في مكانهم في يوم من الأيام، وليبقى السؤال الأهم، ماذا أعددنا لمثل هذه الدقيقة وما بعدها، فقد رأينا برغم هول الكارثة تلك التي ترفض الخروج من تحت الركام إلا عندما تجد ما تستر به نفسها، وآخر برغم سقوط كل الأنقاض فوق رأسه ومعها هموم كالجبال وتطاير كل أحلام حياته ومعها ربما أفراد من عائلته من أغلى البشر على قلبه إلا أنه يخرج مبتسماً شاكراً الله عزوجل على لطفه وقدره، لتقف برغم كل الألم الكامن بين سطور هذه المواقف حائراً أمام إيمان ويقين هؤلاء الراسخ وكم أخذ منهم من الزمن والجهد والصبر ليصبح بهذا الثبات، وتتفكر ترى كم من الهموم التي تمر بنا وتقلب الدنيا في عيوننا إلى سواد أحياناً لا ترتقى لذرة رماد أمام هموم هؤلاء، كما ترى من يجلس يومه مرتجفاً من الخوف عندما يرى الكوارث التي تقع من رعب أن تصيبه يوماً، وقد كنا جلسنا في منازلنا محجورين لأشهر طويلة بسبب وباء الكورونا وبرغم ذلك أصيب به كثيرون بل وغادروا الدنيا بسببه، وفي المقابل آخرين مر الوباء عليهم كنسمة هواء لم يشعروا بها بأكثر من قشعريرة برد لا أكثر، واليوم تأتي علامة أخرى من علامات قدرة الخالق عزوجل لتذكير البشر أن حياتهم كلها ليست أكثر من رحلة عابرة، وبأن دقيقة واحدة أو أجزاء منها كفيلة بقلبها رأساً على عقب، ولذلك كان لزاماً على كل واحد منا العمل على ترك أجمل البصمات في حياته بكل ما فيها من تفاصيل دينية ودنيوية على حد سواء، لعل الله يكرمه بحياة يملأها قلب مطمئن صابر ثابت يمتلأ بالرضا بقضاء الله وقدره والسعادة بما آتاه الله في حياته، وبحسن خاتمة وفوز برضوانه عزوجل بعد مغادرة هذه الدنيا بالأجل المحتوم، ذلك الأجل الذي إذا حضر يكون نافذاً في التو واللحظة كما أمره الخالق عزوجل لا محالة، وما بين الهروب من الكورونا إلى داخل منازلنا والهروب من الزلازل إلى خارج منازلنا يبقى الهروب من قدر الله إلى قدر الله، وبين هذا وذاك تبقى تلك الدقيقة وأجزاءها هي ذاتها التي عمل فيها الشيطان على إغواء حتى أبو البشرية جمعاء سيدنا آدم عليه السلام والتسبب في نزوله من نعيم الجنة إلى الأرض بكل ما فيها من مشقة ومعاناة، وهو ما يجتهد به دائماً الشيطان وكل أعوانه من شياطين الإنس والجن لدفع أحدنا في تلك الدقيقة للقيام بأفعال أو أخذ قرارات أو حتى النطق بكلمات تكون سبباً في تحويل حياتنا إلى جحيم بعدها، وإسكان الندم والحزن في قلوبنا ما بقي من سنوات عمرنا، فليتوقف كل منا أمام لحظات هذه الدقيقة لتدبرها والتفكر في كيفية الخروج منها ومن هذه الحياة بأكملها بصفحة نكتب فيها أجمل السطور، ونرسم فيها أروع الذكريات في قلوبنا وقلوب كل من يمر بنا في حياتنا ما استطعنا إلى ذلك سبيلاً.