منذ اسبوعين تقريبا بدأت الحكومة تهيىء الشعب لقرارات اقتصادية صعبة تنوي اتخاذها في الفترة القريبة المقبلة لمواجهة العجز الخطير والمتنامي في الموازنة العامة.
رئيس الوزراء سمير الرفاعي وفي تصريحات للزميلة الغد قال يوم امس »بأن المرحلة المقبلة ستشهد بعض القرارات الشجاعة لحماية الاقتصاد« ويعني بذلك حزمة من الضرائب والرسوم تنوي الحكومة فرضها على سلع وخدمات من بينها المحروقات »ضريبة البنزين«. الرفاعي وعد ببذل الجهد »لتفادي« رفع الدعم عن اسطوانة الغاز.
القرارات التي وصفها الرفاعي »بالاضطرارية« عزاها الى ما ورثته الحكومة من »موازنة تعاني من عجز كبير«.
وابدى رئيس الوزراء ارادة قوية لاتخاذ »قرارات جريئة«, »مهما بلغت تكلفتها«.
وفي تأكيد منه على التزام حكومته بمحاربة سياسة الاسترضاء اختار الرفاعي قضية عمال المياومة المفصولين من وزارة الزراعة للدلالة على ذلك باعلانه الصريح ان الحكومة لن ترضخ للمطالب الداعية لتعيينهم وزاد بالقول »هؤلاء يستحقون التعيين« لأن موازنة الحكومة »لا تسمح لها باتخاذ اجراء ربما يكبد الخزينة اعباء كبيرة«.
وفي سعيه لحشد التأييد لقراراته دعا الرفاعي الاردنيين الى التضحية من اجل الاردن.
ليست المرة الاولى التي تطلب فيها حكومة من الاردنيين تحمل النتائج المترتبة على القرارات الاقتصادية. فمنذ انطلاق عملية التصحيح الاقتصادي قبل عقدين والحكومات المتعاقبة تنتهج نفس السياسة وتعد بعدها بايام ازدهارا ورخاء, لكن سرعان ما يتبين ان الاوضاع تسير من سيىء الى أسوأ وان الوعود بتحسن مستوى المعيشة تذهب ادراج الرياح.
اتخذت الحكومات من قبل قرارات تحرير الاسعار وسارت في برامج الخصخصة الى اقصى مدى وقدمت للقطاع الخاص والاستثمار الاجنبي كل ما يمكن من تسهيلات, لم نترك تشريعا الا وغيرناه من اجل الاستثمار وقبلنا التجاوزات على القوانين وسكت الجميع على الفساد الذي رافق عمليات الخصخصة. ثم بعد ذلك كله نكتشف اننا نواجه »كارثة« اقتصادية على حد تعبير احد الوزراء.
الحلول التي تتبناها الحكومة للحد من الآثار المترتبة على الفئات الشعبية هي تقريبا نفس السياسة التي انتهجتها الحكومات السابقة وتقوم على زيادة المعونة الوطنية للأسر الفقيرة لكن هذه السياسة ادت الى اتساع دائرة الفقر وارتفاع معدلات البطالة وازداد عجز الموازنة بشكل لافت منذ اعتماد برامج التصحيح الاقتصادي اوائل التسعينيات.
الاردنيون لن يترددوا بتقديم التضحيات من اجل بلادهم وقد قدموا الكثير الكثير لكن الدولة ومؤسساتها لم تقدم بالمثل فقد ظلت مظاهر البذخ والانفاق غير المبرر قائمة, واخفقت في جهود مكافحة الفساد والاعتداء على حقوق الدولة, وبينما كانت الطبقة الوسطى تنهار وتتسع قاعدة الفقراء, كانت فئة الاثرياء تزداد ثراء. واستطاع هؤلاء ان يتسللوا الى ميدان السياسة ويمسكوا بمفاصل صناعة القرار ثم ما لبث ان سيطر رجال الاعمال على كل شيء.
لم يكن الرفاعي موفقا في اختيار عمال المياومة كعنوان لسياسة حكومية جديدة فهؤلاء دفعوا ثمن السياسات الرسمية من قبل وسيظلون في ادنى السلم الطبقي سواء عينتهم الحكومة او فصلتهم, كان على رئيس الوزراء ان »يهبش« الكبار ليؤكد للشعب انه ملتزم فعلا بعدم استرضاء احد على حساب الدولة وخزينتها.
واذا كان لا بد من »قرارات شجاعة« في المستقبل القريب فلتكن على الجميع من دون استثناء على الاغنياء قبل الفقراء.
المرحلة المقبلة لا تحتاج فقط لقرارات شجاعة كرفع الدعم وزيادة الاسعار وانما الى سياسات شجاعة ايضا تضمن مراجعة النهج الاقتصادي والسياسي برمته واسلوب ادارة شؤون الدولة بما يكفل مشاركة حقيقية في صناعة القرار لعلنا نختصر على الاردنيين المزيد من التضحيات.0