تدرك الصين أن هزيمة روسيا في الحرب ضد أوكرانيا وحلف الناتو يعني الإنتقال إلى الساحة الصينية في المرحلة القادمة, من أجل الإطاحة بالمارد الصيني من خلال الأزمة التايوانية, وهذا ما لاحظته الصين من خلال دعم الولايات المتحدة عسكرياً لحلفائها الآسيويين المحيطين بالصين بطريقة ملفتة للنظر في الفترة الأخيرة, مما يعني التجهيز لحرب قادمة قد تُنهي آمال الصين إقتصادياً من حيث تحقيق تطلعاتها للتربع على الإقتصاد العالمي عام 2030.
منذ نشوب الحرب الروسية - الأوكرانية والصين تراقب عن كثب سير العمليات العسكرية في ساحة المعركة, وقد أظهرت للعالم حيادها خصوصاً بعد التحذير الذي واجهته العام الماضي في قمة العشرين من قبل الرئاسة الأمريكية, ولكن تأكدت القناعة الصينية بأنها لن تكون في يوم من الأيام حليفة للولايات المتحدة , فالشواهد السياسية التي واجهتها الصين العام الماضي من خلال زيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان وما تبعها من زيارات أُخرى لأعضاء من مجلس الشيوخ, وكذلك محاولة التشويش على القمم العربية- الصينية,إضافة إلى إتهام الصين بدعمها للإرهاب وغير ذلك, وآخرها إسقاط المنطاد الصيني بالطريقة الإعلامية والعسكرية التي شهدها العالم, كل ذلك جعل من الصين الداعم الغير مباشر لروسيا ما دامت إدارة روسيا للحرب تحت السيطرة, فعلى مدى الإثني عشر شهراً الماضية من الحرب , قامت الصين بدعم روسيا بقطع غيار عسكرية حساسة صنعت الفارق, ومن أهمها تزويد المصانع الروسية التي تصنع الصواريخ وصناعات عسكرية أُخرى بالرقاقات الإلكترونية لإدامة الإنتاج, في وقت نفذت الذخائر والأسلحة من قبل أوكرانيا وحلف الناتو, مما دفع بأوكرانيا بدعم من حلفائها بقصف أحد مصانع الصواريخ الروسية.
إن عدم قدرة المصانع الروسية بإنتاج كميات كافية من الصواريخ والمعدات العسكرية الأخرى من شأنه أن يؤثر على مجريات سير العمليات العسكرية الروسية, وخصوصاً أن هناك إمدادات غربية ضخمة في طريقها إلى أوكرنيا من دبابات من حلف الناتو وقذائف مدفعية وذخائر سيتم الحصول عليها من حلفاء وأصدقاء حلف الناتو, وهذا يعني أن الموقف على ساحة العمليات قد يتغير لصالح الأوكرانيين , مما دفع الصين إلى التفكير بالدعم المباشر لروسيا بتصنيع صواريخ وذخائر وإرسالها إليها , وكذلك تزويد روسيا بمعدات عسكرية هجومية , فالصين تراهن على إستنزاف الغرب من السلاح عند قيامها بتسليح روسيا من صواريخ وطائرات مسيرة وأسلحة هجومية أخرى لحسم المعركة لصالح روسيا.
لقد أدرك الغرب خطر ما ستقوم به الصين من دعم مباشر لروسيا في حربها ضد الأوكرانيين, فمن خلال المؤتمر الأمني الأخير في مدينة ميونخ الألمانية وجهت الولايات المتحدة رسالة تحذير مباشرة للصين من خلال وزير خارجيتها أنتوني بلينكن بعدم تزويد روسيا بالأسلحة أو ما أسمته بالدعم "الفتّاك".
إن الصين تريد من روسيا حسم حربها ضد أوكرانيا والغرب بالسلاح التقليدي, فهي لا تُريد من حليفتها روسيا أن تستخدم سلاحها النووي لكي لا تضطر الصين إلى إدانة روسيا تحت الضغط العالمي وبالتالي عدم دعمها .
فالخيار الروسي الأخير هو إستخدام النووي التكتيكي كمرحلة أولى وهو ضرب العاصمة كييف وضرب مدينة لفيف في أقصى الغرب وهي نقطة عبور الأسلحة التي إعتبرت بالخطوط الحمراء (الدبابات والطائرات والصواريخ بعيدة المدى) ومركزللدعم اللوجستي ومخازن الأسلحة التي يزودها حلف الناتو للأوكرانيين, سيكون هذا الخيار في حال فشل الهجوم البري الذي ستقوم به روسيا من محورين: محور الشمال بإتجاه العاصمة كييف ومحور الشرق الذي سينطلق من باخموت بعد سقوطها كلياً, وهذا الخيار سيتزامن مع تزويد أوكرانيا بسلاح الخطوط الحمراء من قبل حلف الناتو.
كل ذلك لا يمنع الصين من أخذ دور دبلوماسي من أجل إيقاف الحرب, وهو التوسط لإنهائها وهي تدخل عامها الثاني وذلك من خلال جلوس الأطراف على طاولة المفاوضات, وهذا أيضاً مصلحة أوروبية عُليا وخصوصاً لدى ألمانيا وفرنسا من خلال تجاربهم المريرة السابقة مع روسيا زمن هتلر ونابليون , لأنهم يريدون إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن, وخصوصاً إذا تولى الرئاسة الروسية أحد القادة القوميين الروس لأي سبب كان, مما يجعل الوضع أكثر تعقيداً وخصوصاً أن القوميين الروس يريدون النصر الحقيقي مهما كانت الطرق والوسائل الممكنة بعيداً عن الدبلوماسية.
الخبير الإستراتيجي في المجال السياسي والإقتصادي والتكنولوجي
رئيس مجلس إدارة شركة جوبكينز
م.مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com