اعتدنا أن نسمع عبارة "كل مواطن خفير" ، لا سيما في لحظات الاستهداف الموجهة لأمن البلاد والعباد ، ولطالما تقبلنا هذه "الوظيفة" طواعية وعن طيب خاطر ، ومن دون انتظار "رتبة وراتب" وزير أو خفير ، فأمن الوطن والمواطن مقدم على ما سواه ، والتعدي عليه ، جريمة بمنظور مختلف التشريعات والشرائع ، الوضعية والدينية: "ادخلوها بسلام آمنين" ، و"الذين أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
بيد أننا لم نسمع من قبل بشعار "كل مواطن جابي" ، وهو الشعار الذي صارت له قوة القانون منذ اللحظة الأولى التي طرح فيها للتداول ، صحيح أنه قانون مؤقت ، لكن من قال أن القوانين المؤقتة أقل شأنا من الدائمة ، ومن قال أنها لا تتحول "بقدرة قادر" إلى قوانين دائمة ، سواء بإقرارها اليسير من قبل المجلس النيابي ، أو بتعطيل النظر فيها سنوات وعقود كما حصل لكثير منها.
توريد 5 بالمائة من ثمن الخدمة التي يحصل عليها المواطن ، يحيل الأردنيين عموما إلى "جيش جرار" من "جباة الضرائب" الذين يعلمون بالمجان ، وعلى حساب وقتهم وجهدهم وطاقة تحملهم ، وكما قال الزميل الدكتور فهد الفانك في مقالته أمس الأول محقا ، فإن آلاف المواطنين بدأوا يجهرون بالشكوى والتذمر من الطوابير والوقت المهدور والتعقيدات اللوجستية في احتساب الخمسة بالمائة ، ممن تقتطع وعلى ماذا وكيف ستدفع وماذا عن المعاناة ومشوار الانتظار الطويل.
ليس هكذا يحارب التهرب الضريبي (أنا شخصيا لا أعرف كيف يحارب) ، لكن العقل السليم يرفض تحويل الناس إلى "جباة ضرائب" رغم أنوفهم ، وسيجد المواطنون عشرات الطرق لإدامة التهرب الضريبي والتوسع به ، وهذه المرة بالتعاون بين بائع الخدمة ومشتريها ، الأول لأنه لا يريد أن يدفع مزيدا من الأموال للحكومة والثاني لأنه لا يريد أن يكلف نفسه مشقة الاصطفاف في طوابير "الجباة المكلفين" تحت سيف القانون وطائلته ، لا سيما أننا شعب يكره "الطوابير" حتى وإن كانت غايتها "القبض" ، فما بالك حين تكون الغاية منها "الدفع".
لا حصر للخدمات ومنتجيها وبائعيها في أزمنتنا الحديثة ، فهل يعقل أن يحتفظ كل منا في حقيبته بـ"دفتر يومية ودفتر استاذ" ، كيف لنا أن نعرف ما المشمول بالضريبة وما المستثنى منها. ماذا عن العاملين في القطاع غير الرسمي ، هل سأخصم دينارين شهريا على "المزارع" الذي يهتم بحديقة بيتي المتواضعة ، هل اقتطع 25( دينارا) من مكافأة باحث أعد دراسة على سبيل المثال ، هل أخصم على المطبعة ضريبة مماثلة ، وماذا عن "الدهّين ـ الطريش" الذي سينجز أعماله قريبا في منزلي ، هل سأخضعه لضريبة الدخل من جانب واحد؟.
مسكين هذا المواطن ، يراد له أن يكون الجابي والمكلف.. ويطلب إليه أن يموّل الانفاق غير الرشيد لحكوماتنا الرشيدة ، وأن يغطي حاجات جهاز بيروقراطي متضخم ، يأكل الأخضر واليابس ، من دون أن يكون له رأي فيما يقرر له من وظائف او يرسم له من أدوار ، ولا يجد ما يفعله سوى أن يردد مع السيدة فيروز: "انت لا تفكر إحنا بنفكر عنك".