تختلف معايير الجودة باختلاف المجالات التي تطبقها وتبعا لأنظمة التقييم التي تراقبها، إلا أنها تلتقي جميعها في كثير من المواصفات و المقاييس التي تستند إلى مبادئ و مرتكزات أساسية تهتم كلها بجودة المنتوج النهائي مرورا بمختلف مراحل الإنتاج. والجودة في التعليم لا تخرج عن هذا الإطار إذ تهتم بمواصفات الخريجين من المدارس و نتائج تحصيلهم الدراسي عبر مختلف المراحل و العمليات و كذا القدرة على تجاوز كل المشاكل و المعيقات التي قد تعترض مسارهم عملا بمبدأ الوقاية خير من العلاج.
لقد بات إصلاح منظومة التربية و التكوين من القضايا الرئيسية التي تؤرق بال المسؤولين الحكوميين في شتى أنحاء المعمور إيمانا منهم بأن تكوين الرأسمال البشري يعد الدعامة الأساسية لكل نهضة إقتصادية و إجتماعية و تنمية مجتمعية مستدامة. قصد الوصول بالتعليم إلى أعلى المستويات وانعكاس ذلك على جودة التكوين والتأهيل للموارد البشرية لتمكينها من الإندماج في محيط عالمي يتميز بالتنافسية في جميع المجالات و مواكبة التطورات و التحولات التي يشهدها العصر مع تنامي إقتصاديات المعرفة و تحديات العولمة.
غير أن إصلاح التعليم يحتاج إلى نظرة شمولية تهم كافة الجوانب والمجالات، نظرة تتجاوز المقاربات التجزيئية و الحلول الترقيعية و تتعدى البعد الكمي. فالإصلاح يجب أن يكون شموليا و مبنيا على النوعية و الجودة في مختلف مكونات المنظومة التربوية. لهذا اختارت بعض الدول الرائدة في مجال التعليم إعتماد نظام الجودة في إصلاح منظوماتها التربوية، نظام أبان عن نجاعته و فعاليته في تحقيق النتائج المرجوة. فما هي إذن معايير الجودة في التعليم ؟ وما هي آليات تحقيق الجودة في إصلاح التعليم ؟
فالجودة هي نظام إداري يرتكز على مجموعة من القيم و يعتمد على توظيف البيانات و المعلومات الخاصة بالعاملين قصد إستثمار مؤهلاتهم و قدراتهم الفكرية في مختلف مستويات التنظيم على نحو إبداعي قصد تحقيق التحسن المستمر للمؤسسة.
وتشير الجودة في المجال التربوي والتعليمي إلى مجموعة من المعايير و الإجراءات يهدف تنفيذها إلى التحسين المستمر في المنتوج التعليمي، وتشير كذلك إلى المواصفات و الخصائص المتوقعة في هذا المنتوج و في العمليات و الأنشطة التي تتحقق من خلالها تلك المواصفات مع توفر أدوات و أساليب متكاملة تساعد المؤسسات التعليمية على تحقيق نتائج مرضية .
فالجودة مفهوم مقاولاتي بالأساس، يرتبط بالإنتاجية و المردودية و انتقل إلى مجال التعليم على إعتبار أن المؤسسة التعليمية هي مؤسسة لإنتاج الكفاءات و الخبرات القادرة على الإبتكار و الإبداع و اللذان بدونهما لا يمكن للمقاولات الصناعية أن تطور إنتاجها و تحسن من منتوجها.
جودة المناهج والمقررات الدراسية.
جودة البنية التحتية.
كفاءة الأطر التربوية و الإدارية.
جودة التكوين الأساسي و المستمر.
التدبير الأمثل للموارد البشرية و المالية.
الانطباع الإيجابي للمستفيدين من خدمات المدرسة.
التحسين المستمر.
نتائج التحصيل الدراسي .
رافق التفكير في الجودة إقتراح مجموعة من الآليات و الدعامات التي من شأنها تحسين وضع المنظومة التربوية و تجاوز مختلف العوائق التي جعلت مستوى التعليم في بلدنا الأردن متدنيا. لذا فإن أي إصلاح يجب أن ينطلق من المداخل التالية .
( تغيير المناهج و البرامج التربوية ) : في هذا الصدد يجب العمل على اعتماد استراتيجية جديدة في بناء المقررات تقوم على الكفايات عوض الأهداف و على الكيف عوض الكم و على التعدد و التنوع عوض الأحادية.
( تحسين العرض التربوي في المدن و القرى ) : عملا بمبدأ تكافؤ الفرص يجب توسيع العرض التربوي و تجويده في القرى كما في المدن لإتاحة الفرصة للجميع من أجل إتمام الدراسة في أحسن الظروف، و هنا وجب الاهتمام أكثر بالبنية التحتية للمؤسسات التعليمية و مدها بكل الوسائل و الإمكانيات لتؤدي الأدوار المنوطة بها و تقدم خدمات ذات جودة معتبرة.
( العناية بالموارد البشرية ) : إعتبارا للدور الطلائعي للمورد البشري في الإرتقاء بمستوى المنظومة التربوية والتعليمية فلابد من الإهتمام بالأطر العاملة بالقطاع سواء على المستوى المادي و ظروف العمل أو على مستوى التكوين الأساسي و المستمر.
( الحكامة و اللامركزية على مستوى التدبير و التسيير ) : وذلك عبر إرساء آليات الحكامة الجيدة و ترسيخ سياسة اللامركزية و التي ترمي إلى تقاسم المهام و إعتماد سياسة القرب و تكييف التوجيهات و السياسات التربويةوالتعليمية مع خصوصيات كل منطقة.
( التمويل الكافي و ترشيد النفقات ) : إن أي مشروع للإصلاح يروم التحسين و التطوير يحتاج إلى تمويل كاف لتحقيق المبتغى لكن هذا لا يعني صرف أموال طائلة في أمور لا طائل منها، إذ أن الجودة لا تقاس بقيمة المبالغ و الأموال المرصودة للمشروع و إنما بما يمكن تحقيقه من نتائج على أرض الواقع بأقل التكاليف.
( الإستفادة من الخبرات الأجنبية ) : نظرا لعالمية نظام الجودة بات لزاما الإستعانة بالتجارب و الخبرات الأجنبية، خصوصا من الدول الرائدة و السباقة لتبني هذه المقاربة مع الحرص على القيام بدراسات سوسيولوجية و تاريخية كافية قبل إدخال أي تعديلات على المنظومة التربوية والتعليمية و ذلك لضمان توافقها مع مبادئ نظام الجودة.
قبل الختام أوجه شكري وتقديري لجلالة الملك عبدالله الثاني لتوجيهاته حول جودة التعليم و أبرز القضايا التعليمية .
الدكتور هيثم عبدالكريم أحمد الربابعة
أستاذ اللسانيات العربية الحديثة المقارنة والتخطيط اللغوي